الأرشيف

السنغال وعاصفة الحزم

الأرشيف
الاثنين ، ١١ مايو ٢٠١٥ الساعة ١١:٠٨ صباحاً

حمدي عبد الرحمن


إعلان وزير الخارجية السنغالي نداي مانكيور يوم الاثنين 4 مايو/أيار 2015 مشاركة بلاده بكتيبة قوامها (2100) جندي في عاصفة الحزم يطرح الكثير من الأسئلة ويحمل الكثير من الدلالات في نفس الوقت.

 

فهل يعني ذلك أن المملكة العربية السعودية التي تقود الحملة العسكرية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن قد أدركت صعوبة تحقيق النصر من خلال الضربات الجوية، وأن التدخل البري أصبح ضرورة لا يمكن الفكاك منها؟ وكيف يمكن تفسير توجه القيادة السعودية لحشد المزيد من القوات البرية من الدول الصديقة ولا سيما بعد رفض البرلمان الباكستاني مشاركة بلاده في هذه الحرب؟

 

لا شك أن الموافقة السنغالية التي استهدفت "حماية وتأمين الأماكن الإسلامية المقدسة في كل من مكة والمدينة" قد أعطت وجها أفريقيا واضحا لعاصفة الحزم. إذ أضحت السنغال رابع دولة أفريقية تعلن مشاركتها في الحملة الدولية على التمرد الحوثي وذلك بعد كل من مصر والسودان والمغرب.

 

أبعاد القرار السنغالي

على الرغم من موقف جزء هام من المعارضة السنغالية في الداخل الرافض -أو على الأقل المتحفظ- من قرار التدخل في حرب اليمن فإنه من الممكن الحديث عن ثلاثة متغيرات أساسية تفسر القرار السنغالي. يتمثل المتغير الأول في المبررات العقيدية التي يفرضها الالتزام الديني. فالجانب الطائفي الذي كرسه التمرد الحوثي وبمساندة إيرانية غير خافية جعل مركز النواة للكتلة السنية الضخمة في العالم الإسلامي في موقع الخطر.

 

ولعل ذلك يفسر لنا إعلان رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف بأن سيادة وسلامة أراضي المملكة السعودية تمثل التزاما سياسيا لباكستان. وعليه فإن السنغال التي تقطنها كتلة سنية ضخمة قد تشعر بتهديد إزاء تمدد النفوذ الإيراني الشيعي بحيث يكاد ما يسمى بالهلال الشيعي يطبق بخناقه على السعودية من فوقها ومن أسفل منها.

 

ومن جهة ثانية تعبر المشاركة السنغالية في عاصفة الحزم عن تنامي التحالف السياسي بين السعودية والسنغال. ومن المعلوم أن هذه المشاركة العسكرية السنغالية ليست الأولى من نوعها حيث قامت السنغال بنشر قوات برية في السعودية كجزء من قوات التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في حرب الخليج. وقد بلغت الخسائر السنغالية آنذاك نحو 92 جنديا لقوا حتفهم في حادث تحطم طائرة عام 1991.

 

أما المتغير الثالث فإنه يرتبط بدوافع مالية واقتصادية حيث تسعى السنغال إلى توثيق روابطها الاقتصادية والتنموية مع المملكة السعودية طمعا في الحصول على المساعدات النقدية والتمويل اللازم لتنفيذ مشروعات البنية التحتية في السنغال.

 

وتسعى الحكومة السنغالية إلى الاستفادة من سوق التمويل الإسلامي حيث قامت بإصدار صكوك بلغت قيمتها نحو مائة مليار فرنك أفريقي في يونيو/حزيران 2014. وخلال زيارة الرئيس السنغالي ماكي صال للمملكة العربية السعودية في أبريل/نيسان 2015 (أي قبل الإعلان عن القرار السنغالي بعدة أيام) عبر عن أمله في أن يقوم البنك الإسلامي للتنمية -ومقره السعودية- بالمساعدة في التمويل الإسلامي ولا سيما مشروع الصكوك من أجل تنفيذ المشاريع الإستراتيجية الكبرى كقطار الأقاليم السريع الذي يربط بين داكار ومطار بليز دياغني الدولي.

 

السنغال وسيناريو التدخل

من الواضح أن الخيار السعودي بالتوجه نحو السنغال يعزز من فرضية التدخل البري حيث عبر بعض الحلفاء التقليديين للمملكة عن نفورهم من فكرة التدخل البري ولا سيما مصر وتركيا، وذلك بعد الرفض الصريح من جانب باكستان.

 

وفي ظل تطور الأوضاع على الأرض في اليمن بات واضحا أن التحول من محدودية تأثير الضربات الجوية إلى تبني خيار التدخل البري ولو من خلال عمليات موجهة ومحددة تخدم في النهاية هدف الوصول إلى حل سياسي تفاوضي، يمثل ضرورة ملحة للحيلولة دون تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة.

 

"الوجود السنغالي في عاصفة الحزم إضافة نوعية لا يمكن تجاهلها لأسباب مرتبطة بتاريخ وخبرة المؤسسة العسكرية السنغالية. فالجيش السنغالي يجسد قيم الاحتراف والمهنية والانضباط في الواقع الأفريقي الذي يعاني من إشكالية تسييس الجيوش في مرحلة ما بعد الاستقلال"

وعلى الرغم من بداية عاصفة الحزم في 26 مارس/آذار 2014 فإن الأوضاع على الأرض تراوح مكانها ولا يزال الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي في منفاه الاختياري.. يعني ذلك أن الحرب بالوكالة داخل اليمن والتي تروج لها آلة الدعاية الإيرانية ومن يسير في فلكها تجعل التعجيل بالتدخل البرى أولوية قصوى أمام صانع القرار السعودي. ولعل الارتباك الذي يعبر عن تعقد وتشابك الأزمة اليمنية هو ما يجسده الإعلان السعودي في 21 أبريل/نيسان الماضي عن نهاية عمليات عاصفة الحزم وبداية إعادة الأمل. ومع ذلك فإن الضربات الجوية والبحرية لا تزال على قدم وساق.

 

وإذا كان المستبطن في القرار السنغالي بالمشاركة في الحملة على اليمن هو التمهيد للتدخل البري الذي أصبح لا مناص عنه فإنه يعكس كذلك صعوبات تشكيل القوة العربية المشتركة التي وافقت عليها القمة العربية في شرم الشيخ وذلك بحسبانها آلية لتحقيق الأمن الجماعي العربي.

 

فقد سعت السعودية إلى تحقيق المعادلة بين القوة المادية والقدرات العسكرية الهائلة للدول الخليجية وبين الجيوش العربية العتيدة من حيث العدد والخبرة العسكرية مثل مصر. بيد أن الانقسامات العربية الحادة وتقاطع المصالح في كثير من الأحيان، بالإضافة إلى الخوف من عقدة اليمن التي كانت بمثابة فيتنام الأخرى للمصريين سوف تجعل من هذه القوة العربية المشتركة مجرد حبر على ورق. عندئذ تبدو المشاركة السنغالية بقوات برية معتبرة بمثابة "بشارة خير" للسعوديين بحيث تمكنهم من القيام بعمليات "جراحية" محدودة على الأرض من خلال تدخل قوات برية خاصة وذلك من أجل فرض السلام على كافة الأطراف المتنازعة في اليمن.

 

الوجه الأفريقي للعاصفة

قد يكون الوجود السنغالي في عاصفة الحزم إضافة نوعية لا يمكن تجاهلها للعديد من الأسباب المرتبطة بتاريخ وخبرة المؤسسة العسكرية السنغالية. فالجيش السنغالي يجسد قيم الاحتراف والمهنية والانضباط في الواقع الأفريقي الذي يعاني من إشكالية تسييس الجيوش في مرحلة ما بعد الاستقلال.

 

وقد استطاعت العسكرية السنغالية المحافظة على كفاءتها المهنية من خلال المساعدات الفرنسية التي لم تنقطع قط منذ الاستقلال، كما أنها استفادت كذلك في السنوات الأخيرة من المساعدات الأميركية. وتمتلك السنغال كذلك علاقات تعاون عسكرية مع دول أخرى مثل الصين والبرازيل وروسيا وبعض الدول الأوروبية مثل إسبانيا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة في مجالات التدريب والتسليح.

 

وبالإضافة إلى الاستفادة من الشراكة مع الجيوش الأجنبية استطاع الجيش السنغالي أن يطور من قدراته المهنية والقتالية من خلال المشاركة في جميع العمليات التي تمت تحت مظلة الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا. فقد قام الجيش السنغالي بدور بارز من خلال نشر قواته في مناطق الأزمات الأفريقية مثل مالي والكونغو الديمقراطية والسودان، كما أنه شارك في التدريبات والمناورات المشتركة على المستوى الإقليمي.

ويتمتع الجيش السنغالي بسمعة طيبة في مجال عمليات حفظ السلام الدولية حيث شاركت قواته في بعثات المراقبة في أماكن عديدة في العالم. وخلال قيامهم بأعمالهم في حفظ السلام والمراقبة أثبت السنغاليون قدرة هائلة في القيام بهذه الأعمال وأدائها على خير وجه. ولعل ذلك هو ما يدفع الأمم المتحدة باستمرار إلى دعوة السنغال للمشاركة في البعثات الأممية لحفظ السلام. وفي السنوات الأخيرة أصبحت السنغال عضوا فاعلا في الحملة الدولية على الإرهاب ولا سيما في مناطق الساحل وغرب أفريقيا.

 

ومع ذلك تظل المشاركة السنغالية في عاصفة الحزم محفوفة بالمخاطر والتحديات. إننا في الحالة اليمنية أمام دور مختلف وجديد على القوات السنغالية بحيث أنه يتجاوز أعمال حفظ السلام ليصبح معنيا بالانخراط المباشر في أعمال قتالية على الأرض. وأحسب أن البناء على الخبرة السابقة للجيش السنغالي في مهامه الأفريقية بما في ذلك المشاركة في الحملة الفرنسية ضد التمرد في شمال مالي لا تجدي نفعا، فاليمن ليست هي مالي أو الكونغو الديمقراطية، وسياق الاستقطابات والتدخلات الإقليمية في الحالة اليمنية يتسم بالتشابك والتعقيد الشديدين.

 

وعلى أية حال فإن إمكانية وجود قوات سنغالية وسودانية ومغربية ومصرية -وهي جميعها مدربة على مواجهة أعمال تمرد مسلح داخل بلدانها- قد يعزز من فرص نجاح اختراق بري مهم على الساحة اليمنية. على أن التوقف على أهمية الحالة السنغالية وارتباطها بعاصفة الحزم يرتبط بجانبين مهمين لهما دلالات واضحة.

 

أولهما هو مخاوف حكومة داكار من التمدد الإيراني الذي يهدد الداخل السنغالي نفسه على الرغم من بعده آلاف الأميال عن إيران. ففي عام 2011 اشتعل التمرد الكامن في إقليم كازامانس جنوبي غربي السنغال حيث تم توجيه الاتهام لإيران بإرسال أسلحة للمتمردين هناك. وربما يمثل ذلك كما أوضحنا عاملا مفسرا للقرار السنغالي بالمشاركة في عاصفة الحزم. أما الجانب الثاني فإنه يرتبط بالقدرات العسكرية والمهنية المعتبرة التي يتسم بها العسكريون السنغاليون، وهو ما يمثل إضافة نوعية فارقة لعاصفة الحزم.

 

ففي عام 2010 تم تعيين الجنرال بابكر غاي رئيس أركان الجيش السنغالي السابق مستشارا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة، وهو ما يعني الاعتراف بالقدرة المهنية للرجل على المستوى الشخصي والكفاءة العالية للعسكرية السنغالية بشكل عام. ولعل ذلك كله يجعلنا نأخذ القرار السنغالي بالمشاركة في عاصفة الحزم بمحمل الجد ونفهم أبعاده ودلالاته.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)