د.أشرف محمد كشك
لم يكن أمرا مستغربا أن تعلن المملكة العربية السعودية ومعها 10 دول عربية بدء عملية «عاصفة الحزم» ضد ممارسات أنصار الله فى اليمن وتهديدهم أمن دول مجلس التعاون بشكل عام والسعودية على نحو خاص، وذلك من عدة منطلقات.
أولها: حالة عدم الاستقرار فى اليمن نتيجة انقلاب الحوثيين على الشرعية وفرض الأمر الواقع بالقوة، مما يهدد أمن دول المجلس وأمن المملكة والتى تشارك اليمن بحدود تصل إلى 1800 كم وستكون معبراً للتنظيمات الإرهابية.
وثانيها: استنفاد دول مجلس التعاون جميع الخيارات الأخرى ومنها الجهود الدبلوماسية، وتحذير وزير الدفاع السعودى الأمير محمد بن سلمان بعدم الاقتراب من عدن، فضلاً عن كون التدخل هو استجابة لطلب رسمى من اليمن إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وثالثها: فى ظل تطور بعض الأزمات على نحو سريع فإن التلويح بالردع غير كاف وانما ضرورة ممارسة هذا الردع على أرض الواقع لإرسال رسالة واضحة للخصم تتضمن قوة الطرف الآخر.
ورابعها: أنه من حق أى دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل للتصدى لما يهدد أمنها القومى على أن تحيط مجلس الأمن الدولى لاحقاً بالإجراءات التى يتم اتخاذها، وخامسها: حسن التقدير من جانب المملكة العربية السعودية والتى تعد ضمانة ليس فقط لأمن دول الخليج وإنما للأمن الإقليمى برمته، حيث أكدت الدروس المستفادة بشأن العديد من الأزمات الإقليمية وبما لا يدع مجالاً للشك أن الانتظار تجاه الأزمات ربما يكون تكلفته أكبر بكثير من التدخل فى اللحظة المناسبة، وهو ما تم تقديره بشكل صحيح من جانب المملكة.
ومع التسليم بأهمية تلك الضربة فى التصدى لانقلاب الحوثيين فى اليمن فإن لتلك الضربات دلالات إقليمية بالغة الأهمية الأولى: هى ضرورة استراتيجية لإعادة التوازن الإقليمى الذى شهد خللاً من خلال تدخلات دول الجوار فى القضايا العربية، والثانية: تعد تلك الضربات تمريناً عملياً لمشروع قوة التدخل العربية التى أقرتها القمة العربية التى عقدت فى القاهرة يومى 28و29 مارس 2015، والثالثة: هذا التدخل يعد آلية إقليمية مهمة للتعامل مع الأزمات الإقليمية التى ظل البعض منها مرتهناً بدرجة كبيرة بمواقف أطراف من خارج المنطقة ولم يتم حسمهاومنها الأزمة السورية، وفى ظل الأزمات الاقتصادية التى تواجهها الدول الغربية،فضلاً عن تغير الأولويات الدفاعية لبعض من تلك الدول فإنه كان ضرورياً أن تكون هناك حلول إقليمية للأزمات فى ظل وجود تردد دولى بشأن التدخل فى الأزمات عموماً الذى أصبح محكوماً بمصالح وتوازنات إقليمية ودولية.
ويثار تساؤل مهم مفاده هل ينهى هذا التدخل العسكرى الأزمة اليمنية التى ليست وليدة اليوم ولها جوانب عديدة أمنية وسياسية واقتصادية؟ وفى رأيى أنه يتعين النظر للصورة من جميع زواياها، أولاً: أن ذلك التدخل كان ضرورياً لإيجاد بيئة جديدة للحوار لتحل محل منطق القوة وفرض الأمر الواقع، أى أنه سيكون هناك سياق مختلف بعد ذلك التدخل بعيداً عن منطق القوة الذى أعلنه الحوثيون، وبالتالى هناك إمكانية لطرح بعض المبادرات التى ستكون متوازنة وستمثل أرضية مشتركة للحوار، وثانياً:أن هذا التدخل قد لا يقضى على جماعة أنصار الله لأنهم بدأوا بالفرار إلى المناطق الآهلة بالسكان وبالتالى فإن تكلفة القضاء عليهم ستكون عالية للغاية، ولكن ستظل الأزمة قائمة ولكن أقل حدة عما كانت عليه قبل التدخل، بمعنى آخر فإن ممارسات جماعة أنصار الله هى من سيحدد مسار تلك العمليات العسكرية إما أن يتراجع الحوثيون، والعودة إلى مائدة التفاوض والاعتراف بالشرعية الراهنة ممثلة فى الرئيس اليمني، وبالتالى ستكون العملية العسكرية الخليجية محدودة أو أن يستمر الحوثيون فى عدوانهم الأمر الذى من شأنه أن يطيل أمد الأزمة، وثالثاً: فى حالة الاضطرار لتدخل قوات برية فإنه يتعين أن تكون هناك خطط محددة للخروج الآمن لتلك القوات حتى لا يتم استدراجها نحو مواجهات ربما لا تكون نتائجها معروفة، ورابعاً: أن ذلك التدخل هو لحظة تاريخية مهمة ينسج فيها الأمن الإقليمى ملامح جديدة، - لا تتعارض مع الأمن العالمى بالضرورة - ولكن يعد بداية لرسم مشهد إقليمى فى بؤرته الدول العربية الفاعلة.
وأخيراً مع أن الأزمة اليمنية بفصولها المعروفة ليست بالأمر الجديد فإنها تستدعى عدة سياسات مستقبلية من جانب دول مجلس التعاون أولها: ضرورة - بل حتمية - وجود تصور خليجى مشترك لربط دول الجوار الاستراتيجى بالمجلس وهناك صيغ ومستويات عديدة وخاصة على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، انطلاقاً من انتهاء الحدود الفاصلة بين مستويى الأمن المحلى والإقليمي، وثانيها: ضرورة أن تعمل دول مجلس التعاون على صياغة مفهوم استراتيجى جديد كل خمس سنوات لا يتعارض مع الميثاق المنشئ للمجلس لإعادة ترتيب المخاطر الإقليمية وتحديد آليات جديدة لمواجهتها بشكل متكامل، وثالثها: إنشاء جهاز لتوقع وإدارة الأزمات ضمن الأمانة العامة لمجلس التعاون وذلك بالنظر إلى الطبيعة المزمنة للأزمات الإقليمية المحيطة بدول مجلس التعاون، ورابعها: استثمار الفرصة التاريخية الراهنة التى تشهد تنسيقاً عالى المستوى بين دول مجلس التعاون والعديد من الدول العربية وفى مقدمتها مصر لإعادة بناء جبهة الاعتدال لتكون حائط صد منيعا ضد أى ترتيبات مستقبلية إقليمية - دولية قد لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الجوهرية للدول الخليجية والعربية.
/الأهرام/