العزب الطيب الطاهر
بالطبع ما يتعرض له اليمن في المرحلة الراهنة. أمر لا يليق بتاريخه ولا بشعبه العريق.
ومن المؤسف أن تصل مآلاته إلى هذه الوضعية التي تسعى فيها قوة تتسم بالبعد الطائفي والمذهبي. إلى الهيمنة على مقدراته ومفاصل دولته. استنادا إلى منهجية القوة المفرطة. التي ثبت أنها لا تمتلك إمكانية الصمود. في وجه الإرادة الشعبية عندما تتحرك وتقرر التغيير. وليس ببعيد حراكها وثورتها في العام 2011. والذي أفضى إلى إسقاط نظام استمر يحكم أكثر من ثلاثين عاما.
إن كل الأطراف مسؤولة عن هذه المآلات سواء في الداخل أو في الإقليم أو في العالم. لقد تركت جميعا الأمور تتفاقم على نحو دفع بالجماعة الحوثية. للتحرك باتجاه العاصمة والسيطرة على مؤسسات الدولة والقيام بانقلاب ضد الشرعية. صحيح ثمة قوة داخلية تحالفت معها هذه الجماعة.
فضلا عن إسناد سياسي ولوجستي من إحدى القوى الإقليمية وهي بوضوح إيران. وهو ما منحها المبادأة في اعتماد الحل العسكري من دون انتظار الحلول السياسية.
وتطبيق اتفاق الشراكة الوطنية والموقع مع مختلف القوى بما فيها الرئيس اليمني هادي عبدربه منصور. والذي رأى في سبتمبر الماضي ضرورة الانحناء للعاصفة. عندما قرأ بعناية حلفاء الداخل وشركاء الداخل مع ضعف المساندين له خاصة المؤسسة العسكرية. التي تشير التقارير إلى أن ولاءها الرئيسي ليس للشرعية التي يمثلها هادي. وإنما للرئيس السابق علي عبدالله صالح ونجله أحمد القائد السابق للحرس الجمهوري.
وفي الوقت نفسه فإن ردة الفعل الخليجية على ما جرى من بدايات الانقلاب الحوثي في سبتمبر. لم تكن بالقوة التي اتسمت بها بعد ذلك. وهو ما أعطى رسالة خاطئة لهذه الجماعة المستقوية بالخصم الرئيسي لمنظومة مجلس التعاون الخليجي. فتمددت نحو المزيد من المحافظات والمناطق واقتربت من البحر الأحمر وباب المندب. وهو ما يشكل على نحو أو آخر مقاربة خطيرة لمحددات الأمن القومي للمملكة العربية السعودية - وبالطبع مصر- مما دفع الجانبين إلى التأكيد على ضرورة حماية الملاحة في البحر الأحمر وسلامة الممرات الدولية فيه. خلال القمة الأخيرة التي جمعت الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والملك سلمان بن عبدالعزيز.
أما المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن. فاكتفى بإصدار البيانات الرئاسية والتنديد بمن اعتبرهم مسؤولين عن الإضرار بالعملية السياسية. وأعلن فرض عقوبات مالية وسياسية عليهم. وفي مقدمتها علي عبدالله صالح وقيادات ميدانية حوثية.
دون أن يحدث ذلك أي تغيير في الموقف أو يدفع الجماعة الحوثية إلى تبنى توجهات تنسجم مع نداءات المجلس بالحوار والحل السياسي. وحتى وإن تجاوبت فسرعان ما تتخلى عن أي اتفاقات مثلما جرى مع اتفاق الشراكة الوطنية وغيره. وتلجأ إلى خيار القوة لفرض ما تريده وهو ما جرى في يناير الماضي.
عندما أحاطت ميليشياتها بالقصر الرئاسي وفرضت علي الرئيس هادي ورئيس حكومته ووزرائه الإقامة الجبرية مما اضطر معه إلى الفرار إلى عدن وفق خطة أمنية محكمة.
ومع تغيير المعادلة باستعادة الرئيس هادي لشرعيته من عدن. وإعلانه صنعاء عاصمة محتلة. ثم إعلان معظم دول مجلس التعاون الخليجي تكليف سفرائها بممارسة مهامهم منها. فضلا عن زيارات لشخصيات دولية الرئيس في عاصمته المؤقتة. توافرت مقومات جديدة لبدء عملية سياسية مغايرة. لا تخضع لشروط وتوجهات الجماعة الحوثية. خاصة أن العاهل السعودي وافق على استضافة حوار القوى اليمنية بالرياض. وفقا لما طلبه الرئيس هادي وهو ما حظي بموافقة ودعم كل من منظومة مجلس التعاون والجامعة العربية في الاجتماع الأخير لوزراء خارجيتها يوم الاثنين الماضي. وهو ما يستوجب الإسراع بالخطوات التالية:
أولا: توجيه الدعوة لكل القوى الحزبية والسياسية اليمنية. بما فيها الجماعة الحوثية للمشاركة في حوار الرياض. والذي سيكون تحت رعاية منظومة مجلس التعاون. مع توفير كل الضمانات بتطبيق أي اتفاق توقع عليه هذه القوى برضاها. ومن دون ضغوط من أي طرف خاصة من الأطراف خارج المنظومة العربية. والتي لا تقوم بدعم وإسناد الجماعة الحوثية إلا ضمن أهداف مشروعها الإقليمي الذي يسعى إلى توسيع مناطق النفوذ الإيراني والذي أضحت صنعاء رابع عاصمة عربية تخضع له على حد وصف مسؤول إيراني رفيع المستوى.
ثانيا: يتعين أن يتزامن الإعلان مع بدء الحوار عن حزمة من الحوافز الاقتصادية والمالية لليمن في حال موافقة القوى السياسية على اتفاق. ينهى تداعيات الانقلاب الحوثي. ويعيد الشرعية لرموز ومؤسسات الدولة اليمنية. على نحو يعيد بنائها ويجبنها حالة السيولة التي تعيشها منذ سنوات أربع تفاقمت بعد سيطرة الجماعة الحوثية على العاصمة صنعاء؟
ثالثا: ليس ثمة ما يمنع أن تقود سلطنة عمان باعتبارها قريبة من كافة الأطراف: الجماعة الحوثية – الدولة اليمنية – مجلس التعاون مفاوضات مع إيران لإقناعها بالتخلي عن تأجيج الأوضاع في اليمن. لأن ذلك لن يصب في مصلحة المنطقة. ولا في مصلحتها بل إن ذلك سيوسع من دائرة العداء لها في الوطن العربي. على اعتبار أنها لا تسهم في استقرار الكثير من دوله بعد أن تحولت إلى لاعب رئيسي. في معادلة الصراعات الداخلية في بلدان مثل سوريا والعراق ولبنان وأخيرا اليمن. الأمر الذي يعنى أنها لا ترغب في علاقات ندية. وقيام أشكال من التعاون المشترك. وإنما يشير بوضوح إلى كونها مهدد لأمن هذه الدول. وبالتالي لأمن إقليم الخليج والخوف أن تندفع الأمور باتجاه لا يمكن السيطرة عليه. خاصة في ظل تداعيات ملف أزمتها النووية. والذي يرى مراقبون أنه قد يتيح لها الكثير من منافذ التمدد الإقليمي. مقابل التخلي عن عسكرة مشروعها النووي والقبول بالاتفاق الذي يتم إنضاجه على نار. تتراوح بين الاشتعال والهدوء في غير عاصمة أوروبية.
ما العمل إن لم تقبل الجماعة الحوثية بكل هذه الطروحات التي ترمى إلى إيجاد حل شامل للأزمة التي كانت سببا رئيسا في تفاقمها وإدخالها أتون القوة المفرطة؟
في تقديري ليس أمام شعب اليمن. إلا أن يستعيد زخمه الثوري ويخرج بملايينه. ليقيم في الميادين والساحات بصنعاء وغيرها من المدن والمحافظات. ويعلن أنه لن يتركها إلا بعد انسحاب ميليشيات الجماعة الحوثية ولجنتها الثورية في العاصمة ولجانها الأخرى في المحافظات التي تمددت إليها . وأعادت المؤسسات المستولى عليها للدولة بالإضافة إلى إعادة ما سلبته من أسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة إلى مخازن الجيش. ولاشك. أن وثمة رصيدا استراتيجيا ضخما من أبناء المحافظات. التي ما زالت . عصية على الاختراق الحوثي وفي مقدمتها مأرب وغيرها. يمكنه أن يشكل إسنادا حقيقيا لهذا الزخم الثوري. والذي بوسعه أن يغير من أوراق المعادلة. ويدفع بالحوثيين إلى جبال صعدة مرة أخرى. أو أن يقبلوا أن يكون طرفا ضمن أطراف العملية السياسية في اليمن. وأظن أن البيئة النفسية والسياسية باتت مواتية لهذا الحراك الثوري.
إن أجهضت هذه الجماعة التي تتسم بضيق الأفق السياسي. وتعتمد على قوتها المفرطة حوار الرياض الذي يمثل الفرصة الأخيرة أمامها لتعود إلى صوابها ورشدها السياسي إن بقى منه شيء.
/بوابة الشرق القطرية/