خير الله خير الله
سارعت إيران إلى الرد على خروج الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي من صنعاء وانتقال سفارات خليجية إلى عدن بوضع اليد على مطار العاصمة.
إنّه تطوّر في غاية الخطورة على الصعيد اليمني يصبّ في اتجاه قيام دولة في شمال الشمال تكون تحت الوصاية الإيرانية يسيطر عليها الحوثيون، أي "أنصار الله".
بالفعل، حطّت في صنعاء طائرة إيرانية تنقل مساعدات ومسعفين، أي مستشارين لدعم "أنصار الله". لم تعد إيران في حاجة إلى أيّ محطة في طريق نقل ما تريد نقله إلى اليمن!
يترافق ذلك مع مؤشرات مقلقة في الجنوب. تتمثل هذه المؤشرات في السعي إلى التخلص من الشماليين في الوحدات العسكرية المرابطة في عدن. هناك خوف أن يثير ذلك ردود فعل في الشمال، علما أن ذلك مستبعد في المستقبل المنظور.
يبدو كأنّ الانفصال صار واقعًا وأنّ صنعاء لن تتحكّم بعدن بعد الآن.
يؤكّد ذلك كيفية تعاطي زعيم "أنصار الله" عبد الملك الحوثي مع هرب الشرعية إلى عدن؟ يلوم الحوثي الرئيس الانتقالي على تقديم استقالته. ثم يلومه على رفضه أن يكون في الإقامة الجبرية في صنعاء. إنّه منطق اللامنطق في التعاطي مع رئيس دولة، وإن كان رئيسًا انتقاليًا، رفض في نهاية المطاف أن يكون في الأسر وأنّ يكون مجرّد غطاء شرعي لتصرّفات "أنصار الله" وللذين يقفون خلفهم.
كان الخطاب الأخير للحوثي الذي سبق توقيع الاتفاق المتعلّق بالرحلات المباشرة بين صنعاء وطهران، تعبيرًا عن إفلاس الرجل في ضوء نجاح الرئيس الانتقالي في الخروج من صنعاء. لماذا المطلوب من عبد ربّه منصور لعب الدور المطلوب منه إيرانيا؟ لماذا لا يلعب الدور الذي يريح اليمنيين، خصوصًا أهل الجنوب الذي ينتمي إليه؟
في كلّ الأحوال، منذ خروج عبد ربّه منصور من صنعاء وتحرّره من الحوثيين وانتقال السفارات الأجنبية إلى عدن، لم تعد أمام عبد الملك الحوثي خيارات كثيرة.
في طريقهم إلى الوسط والجنوب، اصطدم الحوثيون بالحاجز الشافعي. ما كانوا يعتقدون أنّه نزهة، تحوّل إلى كابوس خصوصًا أنّهم أثاروا كل أنواع الغرائز المذهبية، بما في ذلك الحساسيات القديمة بين الزيود أنفسهم. من يتذكّر أن تظاهرات جرت قبل أيام في حجّة التي تعتبر معقل العائلات الزيدية الكبرى في اليمن وأن هذه التظاهرات كانت موجّهة ضدّ "أنصار الله" وممارساتهم.
هذا يعني بكلّ بساطة أنّ لا إجماع زيديا على عبد الملك الحوثي وما يمثّله وما يريد فرضه. لم يعد كافيا قوله أن هناك "شرعية جديدة" بعد سيطرة "أنصار الله" على صنعاء في الواحد والعشرين من سبتمبر الماضي، كي يكون هناك نظام جديد يقبل به اليمنيون، خصوصًا أهل العاصمة والمحافظات الشمالية.
لم يعد من مجال سوى لطرح مزيد من الأسئلة في شأن مستقبل اليمن. ولكن قبل طرح الأسئلة، لا بدّ من الانطلاق من واقع أنّ الجنوب صار مستقلّا عن الشمال وأنّ صنعاء لم تعد عاصمة اليمن. صارت صنعاء مدينة تتحكّم بها إيران وميليشيا مذهبية مثلها مثل ميليشيا "حزب الله" في لبنان.
في ضوء القرار الإيراني بالسيطرة على شمال اليمن، هناك أسئلة أخرى تحتاج إلى أجوبة. في طليعة الأسئلة ما مستقبل الوسط الشافعي؟ وهل يمكن للجنوب أن يكون موحّدًا، على غرار ما كان عليه بين الاستقلال في العام ???? والوحدة في العام ????؟.
أيّا تكن الأجوبة عن مثل هذا النوع من الأسئلة، لا بدّ من الاعتراف بأن المشروع الإيراني في اليمن يتراجع وأنّ كلّ ما يستطيع تحقيقه هو الاكتفاء بجزء من الشمال يمكن أن يسيطر عليه الحوثيون. لا يمكن الاستخفاف بهذا الجزء الذي فيه مطار صنعاء وميناء الحديدة.
كلّ ما عدا ذلك كلام فارغ، بما في ذلك كلام بعض قياديي "أنصار الله" عن أنّهم سيخرجون عبد ربّه منصور من عدن. سيخرج الرجل من عدن، عاجلا أم آجلا، ولكن بعد انتهاء الدور المطلوب منه أن يلعبه، خصوصًا أنّ هناك حسابات طويلة وقديمة بين الجنوبيين أنفسهم، أحدها حساب أحداث ????.
ما يمكن قوله الآن أنّ الوحدة اليمنية التي تحقّقت في العام ????، أي قبل ربع قرن، كانت حلما جميلا. انتهى الحلم. لا بدّ الآن من العودة إلى الواقع وإلى التساؤل كم عدد الكيانات التي ستنشأ في اليمن؟ السؤال الأهم في الأيام والأسابيع المقبلة، سيكون مرتبطًا بالحوثيين أنفسهم وهو في غاية البساطة: هل في استطاعة "أنصار الله"، أي إيران، البقاء في صنعاء إلى ما لانهاية، أي هل يمكن لصنعاء الواقعة تحت السيطرة الإيرانية أن تكون عاصمة الدولة الحوثية في اليمن؟