يونس السيد
يدرك اليمنيون أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الأزمة المستعصية في البلاد، ولكن الحوار بحد ذاته ليس هدفاً إن لم يتم التوصل إلى توافق وطني، يصار إلى ترجمة نتائجه على الأرض، وهو ما لم يحدث في مرات عديدة سابقة .
شكوك كثيرة تغلف الحوار الدائر بين مختلف القوى اليمنية برعاية المبعوث الأممي جمال بن عمر، استناداً إلى تعقيدات الوضع الداخلي وتشابكه مع المصالح والمتغيرات الإقليمية والدولية . إذ لا يمكن لمثل هذا الحوار أن ينجح ما لم تبدأ مكوناته الاعتراف ببعضها على قاعدة التمثيل والحقوق والمصالح المشتركة، من دون هيمنة ولا املاءات ناجمة عن معادلة القوة المصطنعة .
الجميع بات يعرف أن المغامرة الحوثية ستنتهي ربما بأسرع مما يتوقعه بعضهم، فالحوثيون الذين لم يكونوا أصلاً قادرين على الخروج من صعدة للسيطرة على عمران وجدوا أنفسهم يدخلون صنعاء، هكذا بكل بساطة، وهو على كل حال قرار لا يستطيع عبد الملك الحوثي أن يتخذه منفردا، حتى وان تحالف معه الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي لا يزال يهيمن على قطاعات واسعة في الجيش، قبل أن يسيطروا على العديد من المحافظات ويستكملوا خطواتهم بالسيطرة على القصر الرئاسي وإصدارهم "الإعلان الدستوري" .
مشكلة الحوثيين تكمن في أنهم ابتعدوا كثيراً عن ثورة يناير ،2011 لا بل إنهم تحالفوا مع من اندلعت الثورة للإطاحة به، وسعى كل منهما إلى استغلال الآخر بهدف الوصول إلى السلطة، فقد أراد علي صالح استخدام الحوثيين للعودة إلى حكم اليمن من الباب الخلفي، فيما أراد الحوثيون الاتكاء عليه وعلى حزبه (المؤتمر) في حكم البلاد، وعندما تضاربت المصالح انفرط عقد هذا التحالف ووجد الطرفان نفسيهما وجها لوجه . بهذا المعنى، وجد الحوثيون أنفسهم على رأس السلطة ويمتلكون أكبر قوة منظمة في البلاد، في ظل تعدد ولاءات الجيش وانهيار القوى الأخرى، لكنهم غير قادرين على إدارة البلاد بمفردهم، وتوفير الأمن وحتى لقمة العيش لبلد أصبحت أغلبيته على حافة الجوع وتجاوزت نسبة البطالة فيه ال35 في المئة .
يعود الحوثيون إلى الحوار الوطني ملمحين إلى إمكانية التخلي عن الإعلان الدستوري، وسط شكوك حقيقية في إمكانية التزامهم بنتائجه، إذ لم يعد في وسع احد أن يصدق ادعاءهم بالتمسك باتفاق السلم والشراكة والدعوة إلى تطبيق مخرجات الحوار السابق، بعد أن اتضح للجميع أن كل ما فعلوه من البداية إلى النهاية يتناقض مع ذلك الاتفاق . مشكلة الحوثيين أيضاً أنهم يصرون على طرح أنفسهم ممثلين للشعب اليمني وثورة يناير، مع أنهم ليسوا سوى جزء من هذه الثورة ومن مكونات هذا الشعب، وهناك أغلبية واسعة (بعيدا عن القاعدة والإخوان) تعارض كل تحركاتهم وتهدد باللجوء للمقاومة المسلحة ما يفتح الطريق على مصراعيه أمام الحرب الأهلية . من هنا تكمن أهمية الحوار الجاد والمتكافئ من دون إلغاء أو إقصاء أو تهميش لأي من القوى السياسية، ومن دون أن يكون مسدس الطرف الأقوى مصوباً نحو رأس أي طرف آخر، حتى يمكن الوصول إلى مخرج لهذه الأزمة على قاعدة أن الجميع لليمن واليمن للجميع .
/الخليج/