بعد مرور ثلاث سنوات على الحرب في اليمن، يمكن القول إن أحداً في البلاد لا يريد الحرب، وإنه لا أحد يفرح بأن تحوم في سمائه طائرات مقاتلة.
غير أن عدم الرغبة في الحرب لا يعني أنها قد لا تكون «خيار الضرورة»، بالنسبة للمدافعين عن الشرعية في اليمن. وعدم الرغبة في تحليق طائرات مقاتلة لا يحتم الذهاب للتحالف مع الانقلابيين، كما أن أخطاء الشرعية لن تجعل أنصارها يميلون للانقلاب، ليس لأن الذين يعارضون الحوثيين في اليمن يؤيدون الأخطاء والضربات الجوية، ولكن لأن أغلب اليمنيين لا يوافقون على اختطاف المليشيات لبلادهم.
أنصار الشرعية في اليمن يلتفون حول «فكرة الشرعية»، مهما كان أداء «ممثلي الشرعية» مخيباً للآمال، لأن المؤيدين بتخليهم عن «الفكرة» سيكونون بشكل طبيعي مع «فكرة الانقلاب»، أو مع «طرف ثالث»، لن يحل محل الشرعية، ولن يقبله الانقلاب. وبالتالي، فليس أمام اليمنيين إلا الالتفاف حول الشرعية مهما كان عليها من ملاحظات، لأن الخيارات الأخرى هي خيارات عدمية.
بالطبع، يمكن القول إن هناك أخطاءً كبيرة في أداء هذه الشرعية، وإنها لم تكن على مستوى المسؤولية، وهنا يمكن مناقشة هذه الأخطاء، وانتقادها وتعرية من يقوم بها ضمن إطار الشرعية، لكن أن ننطلق من هذه الأخطاء لنبدأ عملية «شرعنة» للانقلاب، فأعتقد أن هذا لا يتفق مع القيم الوطنية والإنسانية، ويتخالف مع مبادئ القوانين الوطنية والدولية. إجمالاً، في الشرعية «مشاكل» كثيرة، لكن أن تستغل هذه المشاكل للقول إن الانقلاب هو «الحل»، فهذا هو المكر بعينه. صحيح أنه للشرعية «أخطاء» لكن الانقلاب هو الخطيئة الكبرى، التي قضت على العملية السياسية برمتها، وأنتجت الحرب وما لحقها من خراب ودمار.
وفي ما يخص التحالف العربي، والضربات الجوية، يمكن القول إن اليمنيين جميعاً لا يريدونها كما ذكر، وإنها كانت بالنسبة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اضطراراً، بعد أن احتل الحوثيون العاصمة، ولاحقوه بالطيران الحربي إلى عدن، حيث جرت محاولة اغتيال له بضربة جوية على القصر الرئاسي في المدينة. ويمكن كذلك أن نقول إن هناك أخطاء كبيرة للتحالف، يجب التعرض لها لتقويم المسار، يجب القول بأن كثيراً من الضربات الجوية تصيب الأبرياء الذين لا شك أنهم تأثروا بهذه الحرب، يجب القول بأن الكثير من الضربات أصابت منشآت مدنية تضررت من تلك الحرب التي سببها عبدالملك الحوثي بنزقه وعدوانه على كل مدينة وقرية في اليمن، وبعنترياته الفارغة فيما هو مختبئ داخل كهفه الحصين في صعدة، متفرجاً على الحرب، وهي تحصد الأرواح. إن من يفرح بالضربات الجوية الخاطئة هم الحوثيون أنفسهم، لأنها تتيح لهم مجالاً للاستثمار السياسي على حساب دماء اليمنيين، كما أنهم يريدون- من وراء الحرب- إيجاد هوة نفسية وفكرية وثقافية واجتماعية بين اليمن والعرب، تمهيداً لجعله يدور في فلك أوليائهم الإيرانيين. ثم دعونا نتساءل من هو الذي جلب التحالف والضربات الجوية؟
يقول الحوثيون إن هادي هو من جلب «العدوان»، والحقيقة أن المتسبب الأول في وجوده هم الحوثيون أنفسهم، الذين انقلبوا على الحكم في اليمن، وأقاموا المناورات على حدود السعودية، وهددوا بغزوها، وصاروا أداة في يد طهران لضرب الأمن القومي العربي في خاصرته الجنوبية، الأمر الذي جعل التحالف «خيار الضرورة» بالنسبة للرئيس هادي وللمملكة على وجه التحديد. ومع ذلك فلا يجوز بحال السكوت على الأخطاء التي ترتكب بحق المدنيين والمنشآت المدنية، ولا يجوز كذلك السكوت على تطور الخلافات بين التحالف والشرعية اليمنية.
ومع الأخذ بعين الاعتبار لكل ما سبق، دعونا نُذكِّر أن اليمنيين كانوا في 2014 (عام الانقلاب) قاب قوسين أو أدنى من «إنجاز عملية تحول سياسي سلمي رائعة»، ولم تتبق إلا خطوتان فقط، وهما: الاستفتاء على الدستور، والذهاب للانتخابات.
أما الدستور، فقد اختطف الحوثيون الدكتور أحمد عوض بن مبارك- مدير مكتب رئاسة الجمهورية حينها، وسفير اليمن في واشنطن حالياً- بينما كان في طريقه للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ليسلمه مسودة الدستور ليحيلها إلى البرلمان لمناقشتها، ومن ثم الدعوة للاستفتاء على الدستور، أما الانتخابات فقد ذهبت أدراج الرياح بعد تعطيل الاستفتاء على الدستور، وبعد الحرب وويلاتها.
المثير للسخرية في هذا السياق أن الحوثي يقول إن هذه الحرب جاءت لأن الرئيس اليمني متمسك بالسلطة، فيما الحوثي نفسه هو الذي مكَّن هادي من الاستمرار في السلطة إلى اليوم، لأنه لو لم يقع الانقلاب، ولو تمت الانتخابات لربما كان لدى اليمنيين اليوم رئيس جديد غير عبدربه منصور هادي.
دعونا- هنا -لا نغفل حديث الحوثي الممل عن «السيادة الوطنية» التي انتهكها «العدوان»، ناسياً أن مليشياته قاتلت في البيضاء تحت ظلال طائرات الدرونز الأمريكية، التي قال عنها أحد قيادييه آنذاك إنها «آية من آيات الله الذي أيد الحوثيين بأعدائهم الأمريكيين ضد أعدائهم من القاعدة»، في تناقض لا يقدر عليه إلا الحوثيون الذين سربوا معلومات سرية حساسة في جهاز الأمن القومي اليمني لرجال استخبارات الحرس الثوري الإيراني، بعد اجتياحهم صنعاء، في إشارة واضحة إلى احترام الحوثي المبالغ فيه لـ»السيادة الوطنية اليمنية».
كل ما سبق يؤكد أن الوقوف ضد الحوثيين لا يعني الوقوف ضد اليمن، لسبب بسيط وهو أن الحوثيين لا يمثلون اليمن، ولا يمثلون اليمنيين، ليس لأنهم غير يمنيين، بل لأنهم- بكل بساطة – غير منتخبين، بالتالي فليس لهم الحق الدستوري في إعلان الحرب والسلم، وهم أصلاً ليسوا حتى حزباً سياسياً، هم جماعة مليشاوية طائفية انقلبت على سلطة رئيس شرعي منتخب، ومعترف به دولياً، مهما كان هناك من ملاحظات حول سياسة هذا الرئيس.
أما بالنسبة لبعض اليائسين المحبطين بسبب وجود تباطؤ في العمليات العسكرية، أو وجود فساد أو أخطاء كبيرة أو صغيرة لدى الشرعية أو التحالف، فيجب أن يعلم هؤلاء عدداً من الحقائق الواضحة، وهي أن الحوثي كان في 2014 يتمركز على سواحل عدن، أقصى جنوب البلاد، وهو اليوم يحتمي من هجمات الجيش اليمني والمقاومين الذين بدؤوا الضغط على مخابئه في جبال صعدة أقصى شمال البلاد.
ما تم إنجازه يعد شيئاً كبيراً، والمشكلة ليست في عدم وجود تقدم عسكري كبير، أو في تباطؤ هذا التقدم، لأن أكثر من ثلثي اليمن اليوم خارج سيطرة مليشيات الحوثي بفعل المجهود العسكري. المشكلة التي تعاني منها الشرعية اليمنية ودول التحالف، هو عدم القدرة على تحويل الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش- بدعم من طيران التحالف-عدم القدرة على تحويل تلك الإنجازات إلى رصيد سياسي.
أخيراً، المخرج من كل هذه الدوامة هو خيار السلام، السلام الذي ينادي به العالم والعرب واليمنيون، وهو القائم على مرجعيات الحل في اليمن الواردة في: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الدولية، وأبرزها القرار 2216، وكل تلك المرجعيات تقول شيئاً واحداً، وهو أن السلاح يجب أن يكون في يد الدولة، وأن من أراد السلطة، فإن طريقها معروف، وهو الانتخاب الديمقراطي الحر.
من يعارض اليوم تلك المرجعيات؟
على الذي يعارض ذلك، والذي يقول إن السلطة محصورة «في البطنين»، والذي يمتلك أسلحة الدولة، أن «يتحسس البطحاء على رأسه».