الرئيسية > محلية > تصعيد جديد ضد الأمم المتحدة.. هل سينجح الحوثيون في إخضاع المساعدات لسيطرتهم؟

تصعيد جديد ضد الأمم المتحدة.. هل سينجح الحوثيون في إخضاع المساعدات لسيطرتهم؟

أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن الاتهامات العلنية لزعيم الحوثيين للموظفين الأمميين "خطيرة وغير مقبولة، وتعرض سلامتهم لخطر جسيم، كما تقوّض عمليات إنقاذ الأرواح".

وعبّر غوتيريش عن قلقه إزاء ذلك، مؤكداً رفضه القاطع لجميع هذه الاتهامات، حيث كان الحوثي قد اتهم موظفي المنظمات الدولية بالتجسس ورصد اجتماع حكومته التي تعرضت لقصف إسرائيلي.

وجدد غوتيريش نداءه للإفراج الفوري عن جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات والبعثات الدبلوماسية المحتجزين تعسفاً لدى الحوثيين، مشدداً على ضرورة إخلاء المقرات الأممية وإعادة الأصول التي تم الاستيلاء عليها.

-اقتحام واعتقال

قال الصحفي فارس الحميري: "هناك ربما عملية تصعيد من قِبل جماعة الحوثي في هجماتها وانتهاكاتها وتضييقها على عمل المنظمات الأممية في صنعاء تحديداً".

وأضاف: "خلال ساعات الصباح الأولى من يوم أمس، كان هناك تحرك من قِبل جماعة الحوثي بقوة مسلحة تتبع ما يسمى بـ'جهاز الأمن والمخابرات'، واقتحمت المجمع السكني للأمم المتحدة في شارع حدة بصنعاء".

وتابع: "يُعتبر هذا المجمع آخر مبنى أممي في صنعاء لم يتم اقتحامه أو دخوله من قبل، لكن الحوثيين دخلوه يوم أمس بشكل عنيف جداً".

وأردف: "تم اقتحام المجمع من قِبل المسلحين بعدة أطقم ومدرعات عسكرية، ودخل عدد كبير من المسلحين الحوثيين إلى داخل المجمع".

وأوضح: "المجمع هو مجمع سكني للموظفين الأجانب العاملين في الأمم المتحدة، وبحسب المعلومات وتعميم داخلي للأمم المتحدة وقت الاقتحام، كان يتواجد نحو 15 موظفاً دولياً من جنسيات أجنبية داخل المباني السكنية، إلى جانب عدد من الموظفين المحليين اليمنيين العاملين في مجال الخدمات اللوجستية والحماية والحراسة".

وزاد: "المعلومات الواردة من هناك تؤكد أن الحوثيين عندما اقتحموا المجمع بدأوا بقطع الإنترنت والاتصالات عن الموظفين الدوليين، كما قاموا بتكسير كاميرات المراقبة، وشرعوا في اقتحام المباني السكنية واستدعوا الموظفين الأجانب للخروج إلى فناء المجمع".

وقال: "تم أخذ جميع الموظفين اليمنيين العاملين في الحماية والخدمات ووضعهم في إحدى بدرومات المباني، وأُخضعوا لتحقيقات أمنية مطولة".

وأضاف: "هناك ربما حالة 'توحش' كبيرة خاصة بعد التصريح الأخير لزعيم الحوثيين الذي اتهم المنظمات الأممية والمنظمات الإغاثية بالقيام بأنشطة تجسسية لصالح إسرائيل وأطراف أخرى".

وتابع: "زعيم الحوثيين اتهم بشكل مباشر ما أسماها 'خلية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي'، وقال إن هذه الخلية تقوم بأنشطة تجسسية، وذكر بشكل مباشر توصيفاً لأحد الموظفين وهو مسؤول الأمن والسلامة التابع للبرنامج في صنعاء".

وأردف: "هذا الموظف يمني ويدعى 'عمار ناصر'، وهو من أبناء مودية في محافظة أبين جنوب اليمن، يعمل في المنظمة الدولية منذ عدة سنوات وله خبرة وباع طويل في العمل الإنساني، من أوكرانيا إلى غزة، إلى مناطق أخرى شهدت صراعات، وعمل في أخطر الأماكن وأقسى الظروف في خدمة المحتاجين".

وزاد: "الإشكالية، التي تحدث عنها زعيم الحوثيين، هي قوله إن هناك دليلاً قاطعاً على أن هذا الشخص متورط بأعمال تجسسية لصالح إسرائيل، وربما لدى الحوثيين تأشيرة أو تصريح عبور من السلطات الإسرائيلية لهذا الشخص، فكل موظف أممي لا يمكن أن يصل إلى غزة دون المرور بمعابر تسيطر عليها القوات الإسرائيلية، ولذلك فإن دخول جميع الموظفين الأمميين والدوليين إلى قطاع غزة لا يتم إلا بتصريح مرور أمني من السلطات الإسرائيلية".

وقال: "جواز سفر هذا الموظف أو تصريح دخوله إلى غزة صادر من السلطات الإسرائيلية، ولذلك اعتقد الحوثيون أن هذا دليل قاطع على تورطه أو علاقته التجسسية مع إسرائيل".

-منطلق الخبرة

قال رئيس منظمة "سام للحقوق والحريات" توفيق الحميدي: "باعتقادي جاء تصريح الأمين العام للأمم المتحدة من منطلق خبرة سابقة في تعاطي هذه الجماعة مع المنظمات الدولية، كما حدث سابقاً مع الصحفيين".

وأضاف: "لو نذكر أنه في عام 2015 اتهم زعيم الجماعة الصحفيين بأنهم أخطر من المقاتلين في الجبهات، وأعقب ذلك مجموعة من الإجراءات ضد الصحفيين وصلت إلى حد الحكم بإعدام عدد منهم، بالإضافة إلى الإخفاء القسري والتعذيب وغير ذلك".

وتابع: "الأمين العام للأمم المتحدة يدرك خطورة مثل هذا التصريح الصادر من زعيم جماعة الحوثي، وأن له ما بعده، وبالتالي جاء تصريحه ليشكل نوعاً من الصد أو الإدانة الواضحة لأي سلوك قد ترتكبه الجماعة، رغم أنه ليس السلوك الأول".

وأردف: "الجماعة تمارس انتهاكات واضحة بحق الموظفين الأمميين منذ عام 2020 تقريباً، والمقاربة الأممية في التعاطي مع الملف اليمني قائمة للأسف على نوع من الحياد، أي بمسك العصا من الوسط حتى لا تُتَّهَم بأنها منحازة لطرف ضد آخر".

وزاد: "هذا ما جعل الأمم المتحدة حتى الآن لا تنقل مقراتها إلى عدن، إلا بعض الوكالات في الفترات الأخيرة، وما زالت متمسكة بما يسمى 'اتفاقية المقار' وغيرها من الحجج التي تتذرع بها".

وقال: "في اعتقادي أن أقصى ما يمكن أن تصل إليه الأمم المتحدة هو نقل مقراتها إلى عدن".

 وأضاف: "فالإرادة الدولية هي انعكاس واضح لإرادة الدول، وإذا وُجدت إرادة واضحة للتعاطي مع جماعة الحوثي سنرى أن هذا التعاطي يكون تعاطياً جماعياً ومنسقاً".

يشار إلى أن حادثة اقتحام مجمع الأمم المتحدة في صنعاء تأتي ضمن سياق تصعيد متواصل من قبل مليشيا الحوثي ضد المنظمات الدولية العاملة في مناطق سيطرتها، وسط محاولات حثيثة لفرض وصايتها على عمل المنظمات الإنسانية وإخضاع عمليات توزيع المساعدات لسيطرتها المباشرة.

منذ عام 2015، واجهت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية في اليمن تحديات متزايدة تمثلت في فرض القيود على تحركات موظفيها، واحتجاز عدد منهم، وإغلاق مكاتب ومقار تابعة لها. كما عمدت المليشيا إلى فرض قوائم خاصة بالمستفيدين من المساعدات الإنسانية، وإجبار المنظمات على التعامل عبر وسطاء تابعين لها، في انتهاك واضح لمبدأ الحياد والاستقلال الإنساني المنصوص عليه في القانون الدولي.

وتؤكد تقارير أممية أن هذه الممارسات أدت إلى تعطيل برامج الإغاثة وعرقلة وصول المساعدات إلى ملايين المحتاجين، لا سيما في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، فيما تواصل الأمم المتحدة والجهات الدولية مطالبة الجماعة بالإفراج عن موظفيها المحتجزين وضمان حرية عملها دون تدخل أو تهديد.

وتعد الحملة الأخيرة التي طالت المجمع السكني للأمم المتحدة في صنعاء واحدة من أخطر الاعتداءات على الوجود الأممي منذ بدء الحرب في اليمن، ما يعكس تصاعد نهج الجماعة في استخدام أساليب الترهيب والاتهامات الملفقة للهيمنة على العمل الإنساني، ومحاولة فرض واقع جديد يضع الوكالات الأممية تحت قبضتها الأمنية والسياسية.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)