مع بداية هذا اليوم الشتوي من عام 2016، الذي أوشكنا أن نطفئ أنواره، ونستقبل عاما جديدا، حثني أحد الباحثين على ضرورة تتبع الأحداث التي تدور في اليمن، وحفظها بدقة أكثر، فنحن سنكون مستقبلا، شهودا على ما يجري الآن في اليمن.
وأنا اقرأ ما كتب، استشعرت ولأول مرة معنى ذلك، ففي المستقبل سنروي للأجيال القادمة، الكثير من الأحداث التي تزدحم بها الساحة اليوم، فبين الفينة والأخرى وبوتيرة متسارعة، تطرأ الكثير من المتغيرات، التي هي كفيلة بتعقيد المشهد، وجعله أكثر ضبابية.
في الغد البعيد الذي نقلتني إليه تلك الكلمات القليلة، شعرت بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا، نحن جميعا الذين نعايش هذه الحرب لحظة بلحظة، فكنا إما جسدا تصدى للضربات التي يتلقاها الوطن، أو عصا أخرى بيد الجلادين لمواصلة إنهاك ذلك الجسد وتمزيقه.
لم تكن تلك الضربات قليلة، فالأئمة الجدد أرادوا تبديد كل الجهود التي قام بها أحرار هذا الوطن المعطاء منذ ثورة 1962، وإعادتنا إلى عقود المرض والعزلة والجهل الذي عاشته الأجيال السابقة، ليس هذا فحسب بل وقف الانقلابيون في صف إيران العدو الخارجي الذي شكل رأس الحربة التي واصل فيها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية حارسة الكيان الصهيوني، تمزيق الوطن العربي، تمهيدا لإعادة تقسيم الشرق الوسط، باستخدام أسوأ الأدوات وأكثرها فتكا، كالطائفية، ودعم الجماعات الصغيرة الفوضوية، وهو ما كان كفيلا بمعرفة قضيتنا، التي يجب أن نسخر أدواتنا لأجلها.
لقد لعبت تعز دورا بطوليا لن يغفله التاريخ، على الرغم من حجم المعاناة التي عاشتها، سواء جراء الحصار، أو الاستهداف الممنهج للمدنيين فيها، وشعرت أن من اتخذ موقفا إزاء ما جرى في الوطن، لن يشعر بالخجل، حين يسأله أحفاده والأجيال القادمة عن دوره، فهو على الأقل لم يصمت، ولم ينحز للانقلابيين الذين تسببوا بهذه الحرب، وزيفوا الحقائق، ودمروا كل ما استطاعوا من أجل أجندة خارجية، تستهدف المنطقة، وسيشعر بالخجل أولئك الذين وقفوا ضد أمتهم، ومارسوا التضليل على أتباعهم الذين ارتضوا بأن يكونوا عبيدا، وبتعطيل عقولهم من قبل(أسيادهم).
كان انهيار الدولة كفيلا، لإجلاء الغشاوة عن أعين آلاف المواطنيين، فاتضح مشروع الانقلابيين، ومن الطبيعي أن يقف الأحرار حراسا للوطن، من أجل أبنائهم الذين سيحاسبونهم ذات يوم، على سماحهم لمليشيا أن تدمر وطنهم، وتفخخ مستقبلهم.
مر هذا العام وكان الأشد وطأة على أرواحنا، فنزفنا مع كل شهيد روى بدمائه ثرى هذه الأرض، وبكينا مع كل ثكلى، وتألمنا مع كل جريح وبريء سقط في هذه الحرب، وتنازعت أصوات المدافع والرصاص أرواحنا، على الرغم من أننا اعتدنا عليها، إلا أن كل ذلك أنهك أرواحنا قليلا من وقت لآخر، وجعلنا نبحث عن ما يغذيها، فكان الواقع المرير كفيل بمنحنا الكثير من الطاقات التي تفجرت في أعماقنا، في محاولة لتغييره، فالتاريخ أثبت إن إرادة الشعوب لاتقهر، وجلعت هذه الحرب حبنا للوطن لا غير، إذ لا وقت لميلاد حب غير حب هذه الأرض، التي ومن أجل أن يترعرع فيها حبا آخر، يجب أن تكون هي صالحة لزراعة الورود، بعد أن زرعها أصحاب مشروع اللاحياة ب(الموت).
وأنا أستذكر بعض ما مر في 2016، أتذكر أكثر الجمل التي كنت أقولها وبكثير من الوجع،(مهما كان تقصير التحالف العربي وأخطاؤه، إلا أني لا أريد لبلد عربي آخر أن يغرق، في المستنقع الذي يقودوننا إليه)، وهو ما يجعل مسئوليتهم مضاعفة من أجل خلاص اليمن، فالألم كبير للغاية، فأنا وأنت وأنت... نعيش هذه الحرب واقعا.
في الأيام الأخيرة من هذا العام، الذي امتلأ بالوجع، والأشلاء التي هي الصورة والإطار فيه، نوزع الأمنيات بكثير من السخاء، ونتمنى أيضا الكثير والكثير لوطننا ولأحبتنا، وأشعر بسعادة برغم كل شيء، فكل المعاناة تلك كشفت وجه الانقلابيين للصامتين، وقامت بتعريتهم أمام أتباعهم، وزادت المؤمنين بالوطن إيمانا أكثر رسوخا.
وأستطيع أن أعد أستاذنا الباحث، الذي ينتمي إلى النصف الثاني من إقليم"الجند" في الدولة الاتحادية التي ننتظر اكتمال ميلادها، برصد أبرز الأحداث التي لم تتسع لها ذاكرتنا، وأن أخبره- وهو الذي قال"وجدنا في تعز سلوتنا، بعد أن فقدت إب دورها"- بأنه كان تعزيا، أكثر منا نحن التعزيون.