توفيق الحميدي
منذ عام من الحرب الأهلية التي أشعلت فتيلها مليشيات الحوثي المسلحة؛ بإسقاط الدولة في 21 من أيلول/ سبتمبر 2014، والانقلاب على الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي بتاريخ 20 كانون الثاني/ يناير 2015.. ومنذ ذلك التاريخ أخذ الخط البياني لانتهاك الحقوق والحريات في اليمن منحى خطيرا، تمثل في انتهاك جميع منظومة الحقوق والحريات التي نصت علي صيانتها الاتفاقيات والمواثيق الصادرة من الأمم المتحدة.
سجلت تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والعربية الراصدة أرقاما مخيفة ومروعة بحق انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، حيث بلغ حيث بلغ عدد القتلى من المدنيين أكثر من (8000) وأكثر من (20500) جريح، وتفجير ما يقارب من (1000) منزل، نهاييك عن المنازل المدمرة بسبب القذائف، واختطاف ما لا يقل عن (9000) شخص، أغلبهم من السياسيين والصحفيين، وإغلاق ما يقارب 40 مطبوعة وأكثر من 70 موقعا إلكترونيا. والأرقام في تصاعد يومي لاستمرارها بصورة يومية.
كل هذه الأرقام والتقارير للأسف الشديد لم تحرك مشاعر المنظمات الأممية، حيث لم تعر هذه المنظمات الحقوقية الدولية والأممية هذه الأرقام أي اهتمام، وذهبت تغرد بعيدا عن ميثاقها والهدف من إنشائها عبر ممثل المفوضية في صنعاء السيد أبو الزلف، وكذلك ممثلي المنظمات الحقوقية الأخرى. بل وحرصت على الدفع بملف الانتهاكات في اتجاه آخر لتحوله من ملف حقوقي إنساني إلى ملف تخاصم سياسي مع التحالف العربي، وعلى رأسه المملكة العربية السعودية، حيث تعمل هذه المنظمات وبشكل كثيف وممنهج وسريع على إدانة التحالف على ارتكابه انتهاكات وبشكل عاجل، دون التثبت والتوثيق وفقا للأسس والمعايير المعمول بها لدى هذه المنظمات، وكان آخرها إدراجها في القائمة السوداء لمنتهكي جرائم الطفولة في اليمن قبل أن تتراجع، وهو تراجع يضرب مصداقية عمل المنظمة الأممية.
في حين تغض الطرف عن جرائم المليشيات، بل وتتعامل معهم كسلطة شرعية مخالفة قرارها رقم 2216.
كل هذه المواقف جعلت الكثير من الناشطين اليمنيين يعيدون تقييم دور الأمم المتحده والمنظمات الحقوقية العاملة في اليمن، منذ ما قبل سقوط العاصمة صنعاء، حيث ساهم المبعوث الأممي السابق وممثل الأمين العام للأمم المتحدة، جمال بن عمر، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في سقوط صنعاء والعمل على هندسة وصياغة اتفاق السلم والشراكة كغطاء للانقلاب، مرورا إلى المبعوث الحالي ولد الشيخ الذي أبدى مرونة كبيرة في التعامل مع الحوثيين، وأظهر حرصا غير مبرر على ألا يحمل الحوثي مسؤولية فشل المفاوضات الحالية الجارية في الكويت...
واليوم أصبح دور الأمم المتحده في اليمن يتماهي تماما مع الدور السياسي للدول الدائمة في مجلس والدول الكبري المتحكمة في المشهد السياسي العالمي، حيث إننا ندرك تماما أن الأمم المتحده في البداية والنهاية ليست جمعية خيرية أو صندوقا اجتماعيا، بل هي منظمة أممية وأداة من أدوات النظام السياسي العالمي ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولدت لتعبر عن رؤية الدول الكبرى لإدارة النظام الجديد، وطبيعي أن تعمل وفق حسابات دقيقة يحددها صاحب التمويل الأكبر والنفوذ الأقوى. وإن ما يحسب لهذه المنظمة من أدوار إنسانية في مرحلة من مراحلة يجب قراءتها في ضوء التعقيدات السياسية للدول، وهذا طبعا لا يلغي وجود هامش المناورة إلا أنه هامش غير مؤثر في المشهد بصورتة النهائية...
ولا ننكر أن للأمم المتحده مجالات تتمتع فيها بهامش كبير من الاستقلالية نوعا ما، ولا يظهر فية التأثير السياسي بوضوح، وهو للقضايا المتعلقة بالجوانب الإنسانية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية، إلا أنها مع ذلك تظل محكومة في النهاية بالإطار العام والخلفية الثقافية والسياسات الإجرائية لسياسة هذه الدول الكبري...
الأمم المتحده منذ اندلاع ثورات الربيع العربي التي شهدت انتهاكات حقوقية مروعة من قبل ما تسمى الثورة المضادة والأنظمة القائمة؛ لم يسجل لها أي دور فاعل ومؤثر في التصدي لهذه الانتهاكات، ولم تقم بجهد حقيقي يُكتب لها حتى على مستوى الثورة السورية التي ما زالت تشهد أسوأ أنواع الانتهاكات على مر تاريخ الأمم المتحده منذ إنشائها. ومع ذلك ما زال موقف الأمم المتحدة والمنظمات العاملة تحت مظلتها خجولة، بل منحازة لنظام الأسد. كما أكد تقرير أصدرته 55 منظمة سورية بعنوان (من أجل سوريا)، يتهم الأمم المتحدة بالانحياز لصالح نظام الأسد. وتؤكد هذه المنظمات أن 88% من المساعدات تذهب إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام. والأخطر أن الأمم المتحده أصبحت متأثرة بالتزاوج السياسي الإيراني الأمريكي في المنطقة. فالأسد لم يحل إلى محكمة جنايات الدولية ولا أركان حزبه، ناهيك عن مرتكبي جرائم الحرب من مليشيات الحشد الشعبي في العراق أو حزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن، ولا يأمل عليها دور في القريب العاجل بسبب المناخ السياسي الدولي من اتجاهات ثورات الربيع العربي وأجندت الدول الكبرى الخفية...
في اليمن مثّل أبو الزلف ممثل المفوضية في اليمن واجهة المنظمة الأممية بصورة خجولة في البداية. فأغلب البيانات التي صدرت من المفوضية أو المنظمات العاملة في اليمن اتسمت بلغة خجولة خلت من الإشارة إلى منتهك حقوق الإنسان في اليمن، وساوت بين الضحية والجلاد. فأبو الزلف الذي زار تعز المحاصرة من قبل الحوثيين، وتحدث بلغة إيجابية عند لقاءة بالمنظمات الحقوقية في تعز المحاصرة، أصدر بيانا بعد عودتة إلى العاصمة صنعاء صدم فيه جميع المتابعين للشأن الحقوقي في اليمن.
والغريب في الأمر أن المفوضية العليا لحقوق الإنسان في اليمن تعمل في العاصمة صنعاء تحت سلطة الانقلاب، ولم تفتح لها مكتبا في عدن التي اتخذتها الحكومة الشرعية عاصمة مؤقتة، وسُجل عليها قطع اتصالها بالحكومة الشرعية، وحصرت مجمل تواصلها مع سلطة الانقلاب كسلطة شرعية بنظره، كما كشفت وثائق الجزيرة. وبالتالي ندرك أن درو الأمم المتحده في اليمن لا يختلف عنه في سوريا أو أي دولة دولة من دول الربيع العربي، ومحكومة بسياسة الدول الكبري والمصالح الإقليمية السياسية.
لا يخفى على أي متابع الأدوار المشبوهة تاريخيا التي ساهمت فيها الأمم المتحدة، ابتداء من تثبيت دعائم الاحتلال، سواء في فلسطين أو العراق أو افغانستان أو غيرها من الدول، ولم تكن أكثر من أداة من أدوات السياسة الدولية، وبيت تحاك فيه المؤامرات والقرارات التي شكلت وما زالت عبئا كبيرا على كثير من الدول المستضعفة. وهذا القدر السيئ تعامل معة العرب بنوع من البلادة السياسية، قدر يجب الاستسلام دون القيام بدور حقيقي فاعل لتسجيل مواقف تنتصر لحقوقهم، كم لم يحسنوا إدارة ملفاتهم السياسية في أروقتها برغم الثقل السياسي العربي والإسلامي على المسرح الدولي. فغياب العمل المشترك داخل هذه المنظمات ساهم في تحويلها إلى لافتة كبرى لدى ذات المصالح في المنطقة، ساهم في مزيد من ارتهان القرار العالمي للدول الكبري بصورة أكثر بشاعة.
بمقارنة بسيطة بين العمل الحقوقي الإيراني وبين فريق محور الثورات العربية والدول العربية المتخاصمة مع إيران، سنجد هناك فرقا كبيرا يميل للأسف لصالح الصورة الإيرانية الحقوقية وبناتها من التنظيمات المسلحة المنتشره في جغرافية الربيع، والتي تمارس القتل الممنهج والتهجير، والسبب يعود إلى وضوح استراتيجية العمل الحقوقي الذي أولته إيران اهتماما خاصا، وشكلت له فريقا حقوقيا ثابتا مؤهلا على المدي البعيد، ولديه أهداف واضحة ودراية واضحة في آلية العمل ولغة الخطاب الحقوقي، وهو عمل موحد ولدية ثبات وتواجد في الغرب بصورة شبة دائمة من خلال مؤسسات حقوقية، بينما العكس تماما في الطرف الآخر الذي يعاني من غياب الرؤية، وإذا وجدت الرؤية غاب التمويل إضافة إلى الانتهازية الواضحة من بعض المنظمات، برغم أن التجربة الفلسطينية تعد من التجارب الرائدة، وحققت نتائج جيده من خلال خبرتها ووضوح أهدافها.
نحن في اليمن نعاني من ضعف شديد جدا في التعامل الحقوقي مع الخارج برغم امتلاكنا لخبرات جيده، إلا أن غياب الرؤية الموحدة لدى الحكومة بشكل عام، وضعف التنسيق بين السياسي والحقوقي، إضافة للانتهازبة الواضحة في إدارة الملف من قبل أطراف في الحكومة لا ينتمون للحقل الحقوقي، ولا يملكونم القدرة على تقديم خطاب حقوقي بلغة عالمية برغم امتلاك الحكومة لأصحاب اختصاص في مجال حقوق الإنسان والتعامل مع المنظمات الدولية. كل هذا جعل الكثير من الجهود التي يبذلها الراصدون في الميدان في توثيق الجرائم لا تصل إلى المنظمات الدولية بصورة واضحة وقوية، وجعل بعض المنظمات تستقي معلومات من أطراف غير محايدة لتقدم صورة مغلوطة عم حقيقة الوضع الحقوقى في اليمن..
كل ما سبق يدعونا لمطالبة الحكومة والمنظمات المحلية اليوم لمراجعة سياستها والعمل باستراتيجية واضحة، وأن نكون صانعين للفعل الحقوقي فاعلين لا منفعلين وبردود فعل متشنجة أحيانا لا تخدم القضية.
*عربي21