د.مشري بن خليفة
تعتبر الأزمة اليمنية، من أعقد الأزمات السياسية في العالم العربي ، نظرا للخلفيات القبلية والطائفية والسياسية و الدينية والأيديولوجية ، والتي هي جزء من مخاضات المجتمع اليمني ، وجزء أساسي من أزمة اليمن السياسية ، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، إن لم تعالج بمقاربة تأخذ في الحسبان تبعات كل هذه الخلفيات . لقد شهد المشهد السياسي اليمني ، حراكا شعبيا في أوائل 2011 ، في إطار ما يسمى بالربيع العربي ، كان هدفه الجوهري إسقاط نظام صالح ، الذي وصف بأنه نظام فاسد وفئوي وعائلي .
تطورت الأحداث نحو العنف والقمع ، فسالت دماء شباب اليمن في الشوارع ، وكانت نتيجة ذلك استقالة صالح بضغط خليجي ، وضمن صفقة تمنحه الحصانة وبقائه رئيسا للحزب الحاكم ، والتخلي عن الحكم ، تولى نائبه عبد ربه منصور هادي ، الرئاسة وهو من حزب المؤتمر الشعبي العام . حاول هادي الانفتاح على المعارضة ، وأعرب عن رغبته في معالجة الأزمة السياسية ، وتكريس إصلاحات سياسية في البلاد .
إن التغيير الذي حدث في هرم السلطة ، لم يكن كافيا ، لأنه اتضح في حقيقة الأمر ما هو إلا تداول على السلطة من نفس الحزب السياسي ، وقد أدى هذا إلى ظهور قوة سياسية معارضة ومسلحة ، هم أنصار الله ، أو الحوثيين ، الذين استغلوا الوضع وانهيار الدولة ، وضعف مؤسسة الجيش ،التي كانت تعتمد الولاء القبلي .
لذا كان اليمن عرضة لعدة قوى مسلحة ومتصارعة . وفي المقابل نجد قوى سياسية تقليدية ، لا تمتلك زمام المبادرة . وانطلاقا من هذا الواقع البائس سياسيا ، بسط الحوثيون سلطتهم على صنعاء بمساعدة قوات صالح ، فكان الانقلاب على المؤسسات الدستورية وسقط الحوار الوطني في هاوية التجاذبات الحزبية، ومن ثم في شراك العنف المسلح . انقسم اليمن إلى شمال وجنوب من جديد ، وبدأت معركة الوجود ، واشتد الاقتتال ، والضحية في أتون هذه الحرب القذرة هو الشعب اليمني ، المغلوب على أمره ، خرج إلى الشوارع مطالبا بالحرية والتعددية والديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد ، وباليمن الموحد ، كانت هذه هي الأهداف التي ضحى من أجلها شباب الثورة اليمنية .
إن المتأمل في هذا المشهد تتضح له هشاشة الواقع اليمني ، والطبقة السياسية ، فهي لا تمتلك مشروعا واقعيا لأنقاد اليمن من هذا المآل والمأزق الذي يعيشه الشعب اليمني . يبدو لي أن اليمن على الرغم من الرصيد التاريخي والحضاري والثراء الثقافي والتعدد الديني ، لم تستطع نخبه أن تستوعب التحولات التي حدثت في المجتمع اليمني ، لكي تنتج خطابا متوازنا وعميقا في رؤيته وطرحه وبدائله ، للخروج من الأزمة المتعددة الأبعاد والمختلفة التوجهات .
إن الوضع في اليمن خطير جدا ودقيق للغاية ، ويحتاج إلى معالجة عميقة وشاملة ، ليست سياسية وحسب ، كما يتوهم البعض ، وإنما ينبغي أن تتضافر الجهود وتتجه إلى توحيد الخطاب إزاء القضايا الجوهرية والمصيرية ، والتي هي من متطلبات إخراج الشعب اليمني من محنته ومصيره المجهول . وإبعاد كل بعد ديني أو طائفي في الصراع الدائر حول السلطة ،والبحث عن المشترك لتحقيق نقلة نوعية في الرؤية والخطاب لتوعية فئات الشعب اليمني ، بأن مصيره بيده .
إن خيارات العنف المسلح والحرب المدمرة ، لكل مقدرات الشعب ، لن تجدي في النهاية ، فالجميع خاسر مهما كانت المبررات ، وهذا التعنت سيؤدي حتما إن عاجلا أو آجلا ، لقدر الله ، إلى حرب أهلية مدمرة والى تقسيم اليمن.
أعتقد أن مسؤولية المثقفين اليمنيين كبيرة ، وعليهم أن يفتكوا مكانتهم من السياسيين ، ويفرضوا وجودهم بخطاب عالم يمهد لحل سياسي شامل ، تشترك فيه كل الأطراف السياسية دون إقصاء ، وكذا المجتمع المدني ، والنقابات وبمشاركة دول التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية والإمارات والمجتمع الدولي، وينبغي أن يكون الاتفاق أولا ، على أن تضع الحرب أوزارها ، ثم وضع خطة لهدنة طويلة الأمد ، وتسترجع الدولة سلطتها ، وضرورة قبول الحوثيين وصالح وكل الأطراف اليمنية ،بالحل السياسي والذهاب الى طاولة الحوار الوطني ، تحت سقف الشرعية الدستورية ، ومذكرة التفاهم والمبادرة الخليجية .
ليس الهدف من الحوار الوطني تقاسم السلطة ، وإنما بناء اليمن والحفاظ على مؤسسات الدولة اليمنية ، في الشمال والجنوب ، ولن يتأتى ذلك إلا بوضع برنامج مشترك سياسي وثقافي واجتماعي ، مسعاه توفير كل الشروط للنهوض باليمن ، وجدولة الاستحقاقات الانتخابية يشارك فيها الجميع ، أساسها التعددية والاختلاف وتنوع البرامج التي هدفها تطور المجتمع اليمني ، والحفاظ على وحدته وتنوعه ووحدة جيشه الوطني ، بعيدا عن أي محاصصات دينية أو طائفية أو عائلية أو قبلية أو فئوية . إن اليمن وهذا هو الأهم ، لا يمكن أن يحكمه فصيل سياسي واحد ، انتهى عهد الواحدية ، وإنما اليمن بحاجة إلى جميع أبنائه من كل الاتجاهات مهما تكن انتماءاتهم أو أيديولوجياتهم أو طوائفهم ، كلهم اليمن في قلوبهم وعيونهم وعقول.
* كاتب وأستاذ بجامعة الجزائر 2