عبد الله بن علي العليان
كانت تحركات الحوثيين في اليمن بمناطقهم المعروفة، كما قالوا، حماية المذهب الزيدي في اليمن من الاختراق السلفي الكبير في كل أنحاء اليمن، وقد لاقت هذه الدعوة صدى لدى بعض اليمنيين من الشباب، وقد حصلت الكثير من الصراعات والخلافات، بل والاقتتال حول مسألة المذهب، مع أنه من المعروف، وقد لاحظته في زياراتي لليمن، أنك لا تستطيع التفريق بين من هو الشافعي والزيدي، بحكم التقارب والتداخل بين المذهبين، وهذه ميزة كبيرة، كما المذاهب السنية، ترجع لبعض علماء الزيدية، ومنهم على سبيل المثال، العلامة الإمام محمد بن علي الشوكاني، والإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني، والكثير من العلماء الذين، كما يقال، تركوا التقليد المذهبي، وتقاربت الآراء بين العلماء في القضايا الكلية، لكن الصراع احتدم بين الحوثيين والحركة السلفية، خاصة مع الشيخ مقبل الوادعي، الذين كان زيديا، ثم أصبح سلفيا، وحاداً في خلافاته مع الذين يخالفونه في المنهج، وتصاعد إلى صراعات واشتباكات عديدة.
وفي عام 1986م تم إنشاء اتحاد (الشباب المؤمن)، للمحافظة ـ كما قيل- على المذهب الزيدي من الاختراق السلفي، ويهدف هذا الاتحاد، كما يقول د/ راغب السرجاني، إلى تدريس المذهب الزيدي لمعتنقيه، كان بدر الدين الحوثي - وهو من كبار علماء الزيدية آنذاك - من ضمن المدرِّسين في هذه الهيئة.
وفي عام 1990م حدثت الوحدة اليمنية، وفُتح المجال أمام التعددية الحزبية، ومن ثَمَّ تحول اتحاد (الشباب المؤمن) إلى حزب الحق الذي يمثِّل الطائفة الزيدية في اليمن، وظهر حسين بدر الدين الحوثي - وهو ابن العالم بدر الدين الحوثي - كأحد أبرز القياديين السياسيين فيه، ودخل مجلس النواب في سنة 1993م، وكذلك في سنة 1997م، تزامن مع هذه الأحداث حدوث خلاف كبير جدًّا بين بدر الدين الحوثي وبين بقية علماء الزيدية في اليمن حول فتوى تاريخية وافق عليها علماء الزيدية اليمنيون، وعلى رأسهم المرجع مجد الدين المؤيدي، والتي تقضي بأن شرط النسب الهاشميّ للإمامة صار غير مقبول اليوم، وأن هذا كان لظروف تاريخية، وأن الشعب يمكن له أن يختار مَن هو جديرٌ لحكمه دون شرط أن يكون من نسل الحسن أو الحسين، رضي الله عنهما.
اعترض بدر الدين الحوثي، كما قال د/ السرجاني، على هذه الفتوى بشدَّة، خاصة أنه من فرقة "الجارودية"، وهي إحدى فرق الزيدية التي تتقارب في أفكارها نسبيًّا مع الاثني عشرية. وتطوَّر الأمر أكثر مع بدر الدين الحوثي، حيث بدأ يدافع بصراحة عن المذهب الاثنى عشري، بل إنه أصدر كتابًا بعنوان "الزيدية في اليمن"، يشرح فيه أوجه التقارب بين الزيدية والاثني عشرية، ونظرًا للمقاومة الشديدة لفكره المنحرف عن الزيدية، فإنّه اضطر إلى الهجرة إلى طهران، حيث عاش هناك عدة سنوات.
ورغم ترك بدر الدين الحوثي للساحة اليمنية، إلا أن أفكاره الاثني عشرية بدأت في الانتشار، خاصة في منطقة صعدة والمناطق المحيطة، وهذا منذ نهاية التسعينيات، وتحديدًا منذ سنة 1997م. وفي الوقت نفسه انشقَّ ابنه حسين بدر الدين الحوثي عن حزب الحق، وكوَّن جماعة خاصة به، وكانت في البداية جماعة ثقافية دينية فكرية، بل إنها كانت تتعاون مع الحكومة لمقاومة المد الإسلامي السُّنِّي المتمثل في حزب التجمع اليمني للإصلاح، ولكن الجماعة ما لبثت أن أخذت اتجاهًا معارضًا للحكومة ابتداءً من سنة 2002م.
إلا أن الكثير من المحللين يرون أن الحركة الحوثية، ليست حركة زيدية لحماية المذهب، بل هي حركة سياسية هدفها إعادة الإمامة المتوكلية، والقضاء على النظام القائم، باعتباره نظاما مغتصبا لحكم آل البيت، وهي الثورة التي قامت في 26 سبتمبر 1962، وهي ثورة قامت ضد المملكة المتوكلية اليمنية في شمال اليمن عام 1962 وقامت خلالها حرب أهلية بين الموالين للمملكة المتوكلية وبين الموالين للجمهوريّة العربية اليمنية، واستمرت الحرب ثماني سنوات من عام 1962 إلى 1970، وقد سيطرت الفصائل الجمهورية على الحكم في نهاية الحرب وانتهت المملكة وقامت الجمهورية العربية اليمنية.
ولذلك فإن الحركة الحوثية، تريد استعادة نظام الإمامة، وهذا ما برز من خلال تصريحات زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي الذي اعتبر ما حدث في 21 سبتمبر بأنها (ثورة شعبية بامتياز) على النظام القائم الفاسد، كما قال، وليست مطالب معينة من الحركة الحوثية للتصحيح، وهو ما جعلهم يفرضون شروطهم ويغلون الدولة بالكامل، بالتعاون مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبعض القيادات العسكرية في بعض المدن اليمنية.
وفي ضوء الأحداث السابقة، كما يرى المحلل السياسي الأمريكي أشير أوركابي، تشير إلى هدف من قبل الإمام الزيدي الأخير، فقد سيطر "الحوثيون" على العاصمة وأمامهم هدف واضح وهو تحدي الجمهورية اليمنية.
والصور التي تظهر حالياً عن رجال القبائل الحوثيين مرتدين اللباس اليمني التقليدي وملوّحين بالأسلحة والذخيرة ومقتربين من بوابات المدينة، تحاكي مثيلاتها من حصار عام 1968. وفي الواقع، يعود تراث الحصار على المدينة إلى القرن الخامس، عندما قامت الإمبراطورية الساسانية بمثل هذا الحصار. والأمر المركزي أيضاً في تراث استهداف العاصمة كوسيلة لإسقاط الدولة هو الإذن الممنوح لرجال القبائل الموالين، عند النصر في المعارك، بنهب المدينة كجزاء لخدمتهم العسكرية.
الحركة الحوثية أخطأت في طريقة أسلوبها للحصول على المكاسب السياسية في الدولة اليمنية، فأسلوب السيطرة، وفرض القوة والقمع، وسجن المخالفين، واعتقال المعارضين، أسلوب فاشل، يجعل المتعاطفين، يتحولون إلى معارضين لهم، وهذا قاله العديد من اليمنيين، الذين كانوا يتكلمون عن حقوق الحوثيين ومظالمهم من قبل النظام السابق!!، لكنهم ـ أي الحوثيين ـ لم يدركوا أن الأحلام أحيانا لا تتحقق بقوة السلاح، والقسر والفرض على الشعوب دون رغبتهم، وهذه عين الخسارة والتراجع.
/الشرق القطرية/