بحدود الساعة الرابعة عصراً، كنت عائدة من لحج صوب عدن، لكن الطريق قُريب النقطة الأمنية الرئيسية لمدخل عدن كان مكتظاً بالسيارات والناقلات والجنود. رأيتُ جنوداً عديدين، كانوا شباباً جداً، ربما كانوا يافعين. بين كل عشر سيارات تقريباً، كان هناك جندياً ببدلته العسكرية وسلاحه وبتكويرة القات على خده الأسمر. كانوا منغمسين في التفتيش بكل جدية باحثين عن سيارات مفخخة أخرى بعد أن فُجعوا في ذات الصباح بمقتل أكثر من خمسين من رفاقهم في حادثين ارهابيين نفذته سيارة مفخخة وصاروخ. كانوا يبحثون أيضاً عن المشتبه بهم، وبالنسبة لهؤلاء الشباب كان كل شمالي بالنسبة لهم هو مشتبه به دون حاجة لأن تُثبت براءته. سأل أحدهم سائق السيارة التي كانت تقلني، وقد كان ابن خالي: من أين أنت؟ رد: من أبين، فسارعه بقول "أهلا وسهلا"، وأشار له بالعبور!
وبينما كنا نتقدم وسط ذلك الاكتظاظ، رأيتُ ثلاث "دينات" امتلأت ظهورها ببشرٍ يفوق عددهم مساحة ووزن الدينا نفسها، ورغم التصاقهم ببعضهم الآخر في حر عدن الشديد، رأيتهم مبتسمين، لدرجة أني نفيت تأكيد ابن خالي أن من كان فوق الدينات هم الشماليين في عدن، وقد قام الأمن بتهجيرهم إثر الأحداث الارهابية صباح أمس! أصريت بأنهم ليسوا كذلك لأنهم جميعاً كانوا يلبسون "المعوز" كالجنوبيين تماماً، أجابني: سنعلم من الواتس الليلة من هم. لاحقاً، صدّق الواتس كلام ابن خالي!
ثم شردتُ في صمت أخذني إلى عام الفيل، وإلى تفاصيل الرواية التي تقول بأن أبرهه الأشرم، الملك الحبشي المسيحي المؤمن بالله، قاد قبل البعثة جيشاً من 10000 جندياً اصطحبوا معهم عدداً من الفيلة، واتجهوا إلى مكة ليحطموا الأصنام هناك ويبنوا كنيسة تعبد الله. سافر مع أبرهة جنوده والفيلة من غابات الحبشة إلى البحر الأحمر إلى سواحل اليمن إلى جبالها الوعرة وصولاً لصحاري ومشارف مكة، فهلكت الفيلة وهلك معها الجنود وهلك الملك نفسه جراء طول المسافة ومشقتها وتقلب الطقس، جراء سوء التقدير!
لكن في العام 2019، هل يُعقل أن تسافر سيارة مفخخة من صنعاء لتفجر نفسها في عدن؟! هل يُعقل أن تصاحب السيارة المفخخة ثلاث دينات مليئة بالبشر ليضغطوا على زر التفجير؟! هل يُعقل أن ينتشر كل أولئك الجنود الشباب بين خطرين: السيارات المفخخة المتخيلة، وألاف المشتبه بهم؟!
الإجابة، نعم يُعقل، إذا كان هلاك الجميع أمراً غير محسوب في تقديرات الملك!
*من حائط الكاتب على موقع فيسبوك.