كنا يافعين عند إعلان إتفاقية الوحدة اليمنية في 30 نوفميرالعام 1989م ، وأخذتنا الحماسة وتطلعنا حينها للوحدة العربية الشاملة التي غرست في أفكارنا بشعور أو بدون شعور من خلال تأثرنا بالقضية الفلسطينية وتبعاتها من المجازر الصهيونية من مذابح دير ياسين وصبرا وشاتيلا وتهجير الفلسطينيين ومخلطتنا لهم في مخيمات اللجوء في صنعاء ، ناهيك عن تأثرنا برياح المد القومي العربي القادم من بغداد سرا ، بعد إنحسارة في القاهرة بعد رحيل الرئيس عبدالناصر وإعلان إتفاقية كامب ديفيد المشؤمة على العرب وفلسطين ، كل تلك المعطيات والأحداث كانت بمثابة إحباط لنا كا شباب عربي في حينة ، ولم يكن هناك حدث في المنطقة جبر خواطرنا غير إعلان إتفاقية الوحدة اليمنية وأعادت لنا الحماسة والتطلع بعد الإحباط والإنكسار من الواقع العربي، فيما كانت رياح المد القومي نافذة فتحت من خلال القيادة القطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي حين كانت الحزبية محرمة قبل الوحدة ، وأعتمد بعد الوحدة النظام التعددي السياسي المطلق الغير ماطر بقانون وطني يحدد ويجرم تمويلها من الخارج ، وخرجت الأحزاب والجماعات السياسية من تحت مظلة حزب المؤتمر الشعبي العام ، لتمارس التخريب السياسي من أجل الوصول لسدة الحكم بأي ثمن حتى ولو على الأطلال ، وانطلقت الأحزاب الوطنية والأيدلوجية بحرية وبلا قوانين رادعة على حساب إنكفاء الأحزاب القومية والأحزاب الصغيرة الغير مقربة من السلطة.
كتبت اول مقال لي في صحيفة البعث العربي بعنوان( مستقبل اليمن وأمان العرب ) أنتقدت فيه طريقة إعلان الوحدة وتحقيقها ، حيث رأيت انه لأبد من إستفتاء شعبي على الوحدة اليمنية حتى لايأتي يوم يتآمر فيه على الوحدة اليمنية نواه الوحدة العربية الشاملة ، وقتها تم إتهامي من النظام الشمولي بالطيش وقلة العقل وهامشية الفكر ، وأعتذرت الصحف عن نشر ما أكتب لسنوات، واليوم أتذكر وأتحسر على وطني من الطائشين السياسين واذكرهم في كل مناسبة التقيهم فيها.
كانت الوحدة اليمنية مقررة في 30 من نوفمبر 1990م ، فأقبل الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى صنعاء مهنئا بالوحدة اليمنية ،وحمل في جعبته رسالة للرئيس علي عبدالله صالح من الرئيس العراقي صدام حسين مفادها (أن عجلوا بالوحدة الإندماحية للشطر الجنوبي والشطر الشمالي من اليمن كون هناك مؤامرات خليجية تقودها السعودية لإجهاض الوحدة اليمنية قبل دخولها حيز التنفيذ في 30 نوفمبر 1990م) ومخطط جاهز اكتشفته المخابرات السرية العراقية لنشر الفوضى والمشاكل في اليمن قبل إنجاز الوحدة بين الشطرين، وكان للرئيسين صدام حسين وياسر عرفات فضل على اليمنيين في تحصين الوحدة اليمنية حتى قبل أن تتم ، رحمهما الله وغفر لهما بالجنة.
بدء أول زلزال ، لم ينفك الرئيس اليمني صالح إلا أن فاجئ الجميع وأعلن الوحدة اليمنية في 22 من مايو 1990م ، تبعا لنصيحة الرئيس ياسر عرفات وصدام حسين، خوفا منه على الوحدة اليمنية التي أتت رياحهها مواتية لرياح التغيير النظام العالمي وتخلي الإتحاد السوفيتي عن رعاية جنوب اليمن ماليا وايدلوجيا وعسكريا وفي تهاوي الأنظمة العربية أمام نظام القطب الواحد.
نجحت الوحدة اليمنية محليا ، ولكن مخطط العواصم الخليجية للإنفصال لم يلغ ولكنة تأجل وتغيرات ادواته إلى حين ، ومرت اليمن بفترة إستقرار شعبي وغليان سياسي نسبي ، فاندلعت حرب بين الشمال والجنوب صيف 1994م وسميت حرب الردة والإنفصال، وثبت الرئيس صالح على الأرض اليمنية مستندا على الشرعية الدستورية ومساندة برلمان الوحدة له ، وأعلن شريك الوحدة نائب الرئيس اليمني السيد علي سالم البيض من جانب واحد فك الإرتباط بالشمال وأعلن إنفصال الجنوب وعاصمته عدن من حضرموت ، الذي لم يلقى قبولا واسعا من سكان الجنوب وعدم رضأ قيادات جنوبية بالإنفصال في حينة ، وثبت غالبية الجنوبيين شعبيا مع الشمال متمسكين بالوحدة اليمنية ولولا هذا الإلتفاف الشعبي الجنوبي لم إستمرت الوحدة اليمنية حتى اليوم.
إستمرت الوحدة بقيادة شمالية خالصة وشهد اليمن أطول فترة إستقرار شعبي عرفة اليمنيين ، ولكن التعبئة الخارجية مستمرة وأستمرت نار تحت الرمار لعقدين من الزمن ، وأدرك الرئيس صالح ذلك ، فحكم اليمن على التوازنات السياسية محليا وأقليميا نتيجة وجود خيانات دائمة في نظام حكمة لا تخضع لأي قانون أو سلطة غير سلطة المال والمصالح ، ربما كانت طريقة حكم الرئيس صالح غير رشيدة ، ولكنها الممكنة في حينة وكانت هذه أعلى قدرات الرئيس صالح وكل ما أمكنة تقديمة لحماية الوحدة وتحقيق الأمن والإستقرار في عهدة وهذه الأخيرة نجح فيها نجاحا لم يحققة أسلافة ولا خلافاءه بعد ، وكان كل حلمة الشخصي أن يموت وقد كتب التاريخ أنه من حقق وحدة اليمن وآمنه ، وقد حقق حلمه في حياته ومات على الوحدة اليمنية.
بعد أحداث الربيع العربي ترجل الرئيس صالح تحت ضغط الشارع والشباب ، وحكم الإخوان المسلمين والأستراكيين وبعض الأحزاب الصغيرة بإسم تكتل اللقاء المشترك بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح ، ورئاسة عبدربه منصور هادي للبلاد ، الذي حكم اليمن بالصدفة، وخلال هذه الحقبة التي لم تتجاوز الثلاث سنوات فشل الرئيس هادي وأحزاب اللقاء المشترك في التعايش وإرساء دعائم الدولة المدنية الذي خرج الشارع ضد الرئيس صالح من أجلها وخاب أمل الناس وانكفاؤا ، وفشل مؤتمر الحوار الوطني بحمل أحد شركاء اللقاء المشترك في ثورة الشباب وهم الحوثيين السلاح في وجه مخرجات الحوار الوطني والشركاء ، التي لم تبقي منفذا بحريا لإقليم أزال أو هكذا يزعمون ، حيث تجلى لاحقا أن الحرب كانت ستندلع على يد الحوثيين أو على يد غيرهم فالمخطط الإقليمي جاهز فمن تأمر على العراق وفلسطين والأمة العربية، هم اليوم خصمين يتامران لخوض الحرب بينهما على أراضي اليمن.
بعد ترجل الرئيس صالح ، لم تستطيع أحزاب اللقاء المشترك والرئيس هادي حكم اليمن ولم يسمحوا لأحد بمشاركتهم الحكم وساد الفساد حكمهم أكثر من حقبة حكم الرئيس صالح ، وبعد ترك اللقاء المشترك الساحة خالية سياسيا أستولى الحوثيين على دفة الحكم كأمر واقع وتحت شعارات رنانة أطربت الجماهير مالبثت ثلاثة أشهر حتى أتضح أنها مجرد شعارات جوفاء خاوية ، ولم يستطيع الحوثيين تحقيق الإستقرار والعدالة والوحدة الذي تغنوا بها على عامة اليمنيين ، متذرعين بحجة واهية إسمها العدوان ، وكأن العدوان واقع على الحوثيين وحدهم، وكأن من يدافع عن اليمن الحوثيين وحدهم ، متناسين أن كل افراد الشعب اليمني من قبائل وأقيال مشاركين في الدفاع عن اليمن ضد العدوان ، وساد الفساد حقبة حكم الحوثيين أكثر من حقبة حكم الرئيس صالح وحقبة حكم أحزاب اللقاء المشترك مجتمعتين.
يقول الحكماء ، حيث يبدأ أي نظام بالفساد فإنه سينتهي بالفساد ، وخير دليل ليس ببعيد ، حقبة حكم الرئيس على عبدالله صالح ، ويقول الفقهاء، حيث أن من يشارك الفاسد حكمة فهو فاسد مثلة، وليست الضرورات تبيح المحضورات فهذا حكم أصولي فاسد.
كانت أخر الإحتفالات بعيد الأعياد 22 مايو عيد الوحدة اليمنية التي يتذكرها اليمنيين بالخير في أبهى صورة العام 2010م ، وبالمقارنة المنظورة ، تضاءل الإحتفال بالوحدة في حقبة حكم الرئيس هادي واللقاء المشترك ، وأنحسر تماما في حقبة حكم الحوثيين حتى اليوم بينما يحتفل بمناسبات أخرى أثناء العدوان وكأننا حققنا إنتصار الحلفاء على المحور في الحرب العالمية الثانية ، وتحول من عيد وحدة يمنية إلى ذكرى في أحسن الأحوال ، وهذا يفسر لماذا لم تحدد الدولة والحكومة والبرلمان في صنعاء أبان حقبة حكم الحوثيين موقفها صراحة وعلانية وبشكل رسمي من الوحدة اليمنية نواة الوحدة العربية الشاملة ، فهل نشهد أخر ذكرى للوحدة اليمنية 22 مايو هذا العام في حقبة حكم الحوثيين وينفرط العقد الفريد للوطن العربي الذي إستمر ربع قرن بزلزال لايبقي ولا يذر ؟
أم ستوحد حقبة حكم الحوثيين شبة الجزيرة العربية لتعلن موقفها من الوحدة اليمنية والوحدة العربية الشاملة من منبع وأصل العروبة اليمن الطبيعي الخالد والشعب العظيم ؟ ننتظر مقبل الأيام قبل القضبان.