قبل أن يتولَ الرئيس هادي منصبه الأخير كان للفنان محمد الربع حضوره الخادم لقضايا وهموم اليمنيين تحديداً أثناء ثورة 2011 والذي لا يخفَ على أحد كما أنه شكَّل خلال مرحلة الحرب اللاحقة بإمكانياته البسيطة جبهةً موازيةً لجبهات القتال، مرافقاً لأبطال الجيش الوطني في معظم جبهاتهم مذكياً أرواحهم الوطنية ومنوهاً لمخاطر الحركة الحوثية وكوارث انقلابها الحالة والمؤجلة، ناهيك عن برنامجه عاكس خط الذي شرَّح فيه قلوب الحوثيين خوفاً وقلق حتى أعلنت الجوائز من قبل بعض عذارى السلالة لمن يأتي برأسه منها تمكنه من زواجها، وملأَ قلوب الشعب وعياً وعزيمة.
حتى خرج منتقداً الرئيس هادي قامت الدنيا عليه ولم تقعد والذي قد يكون كشفاً فكرياً وإنسانياً لصالح الرئيس لا ينسى، لماذا يُلام الفنان أو الكاتب أو الشاعر وهو يخدش السماء بأظافره باحثاً عن حل وداعياً بقايا الكرامة كي تنهض؟ لماذا يراد للفن أن يقف حاجباً عند باب الحكام والمسؤولين فارداً ردائه للدافع أكثر كي يصنع منهم أصناماً من طين أو دمى صغيرةً من عجين؟.
وما هو دور الأدباء والفنانين والمفكرين والشعراء تجاه شعوبهم إذا لم يعبروا عن مشاعرهم بصدق بلا خوف ولا همهمةٍ أو التواء نقداً وتشريحاً وإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله وما قيمة الذي لن يصرخ اليوم إذا لم يصرخ ويكره ثيابه وظله الذي يرافقه على الأرض نتيجة للهاوية التي انزلق اليها الوطن.
نحن بحاجة إلى نقدٍ حاد للذات وللعمل المشتت والفراغات الادائية للقيادات وسقطات التجربة التاريخية التي تمر بها اليمن اليوم، الرئيس هادي وغيره من رموز الشرعية ليسوا فوق النقد ومنزَّهين عن الأخطاء، وعلى رأسها مبدأ عدم العودة للوقوف على أي شبرٍ من أراض الوطن ومشاركة الشعب أوجاعهم ويكونون جزءً من الحل كما كانوا يوماً جميعاً جزءً من المشكلة.
استغلال مفهوم إما أنا أو الحوثي كما كان طرح السلف إما نحن أو الطوفان من بعدنا وإشعال الحرائق والهروب من أجنحة لظاها لن يزيد اليمن إلا تشظي ولن يزيد جراح اليمنيين إلا عمقاً والمأساة إلا تفاقماً وامتداد، اجتراح الحلول المستعجلة للمعضلة بات ضرورة ملحة لإنقاذ اليمن التي لن تكون لغير اليمنيين الخُلَّص والمخلصين للثورة والنظام الجمهوري العادل وللشعب الذي أنهكته مرارات الحروب المفتعلة.
النقد البناء الهادف إلى تصحيح المسار وتقييم الأخطاء مطلوب في كل مراحل البناء والعمل ناهيك عن مراحل الحرب الغريبة في إدارتها التي تعانيها اليمن، الحرب التي في معتقدي ليس لها شبيه في تاريخ الحروب تعددت أطرافها، وتعدد قادة الطرف الواحد فيها والصراعات التي برزت قبل النصر وتحقيق الهدف من قيامها.
ما نعرفه أن الأطراف الملتحمة لخوض أي حرب سوءً لقيادة ثورة ضد نظام أو ضد الاستعمار أو لتحقيق هدفٍ اقتصادي أو سياسي ما، لا تبرز صراعاتها على السطح وتُظهِر المستبطنات المكنونة سلفاً إلا بعد هزيمة العدو والاتيان على جذوره ومحو آثاره والتفكير بغير ذلك قبل تحقيق النصر ضرباً من جنون.
وعليه وفي حالة مغايرة لمفاهيم الحرب تسير حربنا في اليمن حتى الفن لا يراد له أن يفوز بدوره وللقصيدة الشعرية أن تكون صادقة في مؤداها وللمقالة الصحفية أن تكون أداة أصيلة لرفع مستوى الوعي عند الشباب اليمني في الداخل والخارج حملة مشاعل التغير ومخططات مشاريع البناء.
لم يخطئ الربع وإن كان حاداً إلى حدٍ ما في نقده، لأداء الرئيس هادي وطاقم حكمه لأن رسالته كانت واضحة من خلاله كما يجب أن تكون موجهةً لكل مسؤول لم يعد يحمل إلا هم نفسه وتأمين مستقبل أولاده كي يفيقوا ويدركوا حقيقة أنه لا يمكن لأحد أن يحتقب أخطائه يحملها معه ويواريها عن أنظار الناس ومسامعهم أينما ذهب، وأن التاريخ في سجلاته لا يرحم، وأن عيون الشعب اليمني ستلاحقهم أينما حلوا أو حصلوا على إقامةٍ دائمةٍ أو جواز، بل قد لا يجدون في لحظة صحو القوانين الدولية الانسانية موطناً يحميهم غير اليمن كما فعل العالم مع شاه إيران.
وأخيراً سواءً الرئيس هادي أم غيره من المسؤولين قادة مدنيين وعسكريين في الداخل والخارج أو الفنان محمد الربع ورفاقه من الفنانين في كل مجال لن يحكم الشعب اليمني على مبانيهم الشخصية المادية والمعنوية، وإنما سيحكمون على ما قدموه من خدمةٍ للوطن بصدق وإخلاص وأمانه، وبتجرد عن المصالح الشخصية وليعلم الجميع أن أحداث اليوم حقيرها وعظيمها مسطرة بأحرفٍ يستحيل على المغَيَّبْ وعياً محوها وستلاحقه في حياته وستنال من ذريته بعد وفاته ومحفوظة في ذواكر الكترونية يستحيل على الخوان إدراكها وشرائها.
بيتاً شعرياً من قصيدة رثاء شعب للشهيد محمد محمود الزبيري التي كان يجب أن تقرر في المناهج الدراسية حفظاً وتُعلَّق على رأس كل مسؤول على كرسيه يقرأها ليل نهار اينما حل وارتحل واعتبارها مورداً عذباً وشعلة وطنيةً تحملها الأيادي لا تنطفئ.
وكنتُ أحرص لو أني أموت لهُ * وحدي فداءً ويبقى كلُّ أهليهِ