القمة العربية القادمة في تونس أمامها قضايا دائمة الحضور كالقضية الفلسطينية وهضبة الجولان والإرهاب وأخرى تدعو الظروف من الملوك والرؤساء العرب إلى جعلها حاضرة دائماً على جدول أعمالهم. خاصة وقد أعلن معظم الزعماء العرب حضورهم. وحيث تنعقد القمة في واحدة من البلدان العربية التي مرت بمرحلة من التغيير.
إن تعزيز التضامن والعمل العربي المشترك الذي لا تخلو منه وثيقة عربية، دون نتائج متقدمة، يبدأ اليوم في تقديري بضرورة بلورة موقف عربي موحد متماسك نظرياً وسياسياً، واقعي وشامل، وذلك للحفاظ على الدولة الوطنية وتعزيز مؤسساتها الحديثة بوصفها الضمانة للإستقرار والتنمية والأمن المحلي والإقليمي، وحائط الصد في وجه خطط التقسيم والتجزئة التي يتبناها خصوم الأمة في سعيهم للإحتفاظ بهيمنتهم ونفوذهم على قرارها السياسي وسيادتها وثرواتها الطبيعية، ويضعون أمن إسرائيل في المقدمة من هذه الأهداف، كما تجد فيه إيران ضالتها.
في الظروف الراهنة التضامن والعمل العربي المشترك الذي يرجى منه حماية كيان الأمة، ومنع إسرائيل من التهام أجزاء أخرى من الوطن العربي، وكذا ردع إيران من توسيع نفوذها وبسط هيمنتها على المنطقة خطوة ذات قيمة ومعنى تحقق رفضاً صريحاً لكل أشكال التقسيم والتشرذم للدولة الوطنية العربية، سواءً كانت أسبابها مذهبية أو طائفية أو مناطقية أوسياسية. كثيراً ما يتم استخدام هذه المسميات كمظالم من قبل ذوي النزعات المذهبية أو المناطقية على وجه الخصوص، فيهرع البعض لدعمها، ليس لأهداف انسانية كما قد يبدو ولكن لأسباب سياسية وأخرى تتعلق باستراتيجيات هذا البعض.
إن خطوة يقدم عليها الزعماء و القادة العرب في قمة تونس القادمة كهذه سوف ترسل رسائل عديدة في وقت واحد لقوى محلية وأخرى إقليمية وثالثة دولية، مفادها أن التمادي في تبني سياسات من شأنها تعريض مصالح الدول والشعوب العربية وأمنها واستقراها ووجودها للخطر، سوف تصطدم بمقاومة عربية شاملة. وينبغي في هذه الحالة حشد الطاقات ودعم كافة الجهود الوطنية والقومية وتكاملها في هذا الشأن، وابتداع آلياتها المناسبة.
وقراراً كهذا أيضاً يصدر عن القمة العربية القادمة في تونس سيخلق أرضية صلبة للتعاون والتضامن العربي بمستوياته المختلفة، وسيرقى بالعلاقات إلى مصاف جديدة، كما سينزع عن العلاقات العربية خيمة من الشكوك والريبة التي خلقتها التجربة العربية في الدعوة إلى الوحدة بمفهومها الأولي الذي تكون في عقود سابقة من القرن الماضي، أضرت بالتضامن العربي، وتمكن الخصوم من إلصاق تهمة " النزعة القومية الشوفينية" بالمشاعر العربية التي تكونت عبر جملة مفاعيل تاريخية وإثنوغرافية واقتصادية وثقافية، وقد زاد الخصوم وأن عمقوا بأن خلقوا أو غذوا المزيد من التناقضات والصراعات العربية التي ساندتها أخطاء النظم السياسية ما بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، وعوامل أخرى.
ستبقى القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية، لكن هذه القضية مهددة بتسوية نهائية قد تلتهم ما تبقى من الأراضي العربية المحتلة، وحدوث تقسيم جديد في المنطقة سوف ينهي هذه القضية. وها قد أصبح علينا أن نتخذ موقفاً واضحاً من الجولان السورية، ذلك أنه كلما زادت المنطقة انقساماً كلما خلق ذلك ضعفاً يوهن من قدرة الأمة ويكرس واقعاً مؤلماً مع الزمن.
إن خطط التقسيم التي روج لها دعاة الفكر الجديد، وتدعمها ماكينة صهيونية تمتلك من الإمكانيات ما يحدث الإخراق في صفوف الأمة، وأحياناً تستند إلى أسباب وعوامل وقوى محلية وأحياناً إقليمية أو دولية وتعميق الصراع بين المكونات الاجتماعية للدولة الوطنية العربية، ليس سوى مظهر جديد لاتفاقيات التقسيم الحديثة التي تبدو ملامحها واضحة لكل العرب، وهذه الخطط متصلة مع ما قبلها.
كما يشكل سوء تقديرنا لحجم المخاطر الداخلية المنبثقة من التنوع الاجتماعي والثقافي والعرقي الباعثة للصراعات والتناقضات المحلية التي لم تحتويها بعد الدولة الوطنية ذاتها، وفقر وهشاشة القوانين والدساتير المحلية التي يفترض فيها الحفاظ على حقوق المواطنة المتساوية لجميع السكان. كل ذلك يبقي خطر التقسيم قائما، مع وجود من يسعى إليه بقصد وسابق إصرار وسوء نية. لقد حولت شعوب كثيرة هذا التنوع إلى نعمة تثري مجتمعاتها، فالتنوع مصدر للتقدم في التجربة الإنسانية، وللأسف يبدو عجزنا ظاهراً في استثمار هذا التنوع واستغلاله لصالح التقدم.
لست أدري إن كان هذا الأمر سيحضى بما يستحق من اهتمام في القمة العربية القادمة في تونس، لكنني وجدت إشارة إليه في البيان الصادر عن اجتماع قادة مصر والعراق والأردن، الذي انعقد قبل يومين في القاهرة، فقد أشار البيان إلى أهمية تعزيز مؤسسات الدولة الوطنية العربية بوصفها الضمانة الحقيقية ضد مخاطر التقسيم والتشرذم، ولا أظنها إشارة دون معنى. وزاد من أملي في أن الديوان الملكي في المملكة قد أعلن أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي يقوم بزيارة إلى تونس تتوافق مع زمان ومكان انعقاد القمة القادمة وسيترأس وفد المملكة للقمة، وهو الأمر الذي يرفع سقف التوقعات المنتظرة من قمة العرب القادمة.