عندما كان اليأس من مواجهة الإستبداد السياسي يلجم اليمنيين ويضعهم خارج دائرة المواجهة كانت تعز هي المكان الذي تخرج منه الكلمة المبشرة التي يستعيد معها اليمنيون المبادرة وتحريك الفعل المقاوم لغول الإستبداد .
في أقنية المواجهات الثورية مع الاستبداد تجذرت جسور التواصل مع الحرية ، ونمت روابط مع المدنية في صيغتها التي أخصب فيها الفعل الثوري بالكلمة ، وما أعظم الكلمة حينما يملؤها الإيمان بقوتها في هزيمة الطغيان .
حملت تعز معها هذا المشعل المبشر بالحرية إلى كل اليمن ، غير أن ذلك لم يكن محل ترحاب من قبل قوى الهيمنة . أخذت هذه القوى تستعد للمواجهة مع تعز ، وفي محطات مختلفة كان قمع تعز يعني فيما يعني هدم جسور التواصل مع المتغيرات الثورية المبشرة بمستقبل يسوده العدل والقانون والمساواة .
عندما كانت تقمع تعز كان الحاكم في المركز يطمئن ويعيد ترتيب أوراقه ، وأهم ورقة من بين هذه الأوراق هي أن تبقى تعز مقسمة بعصبيات سياسية وإجتماعية ومذهبية . وكان أسوأ ما تخلف عن هذا الموروث هو أن تعز كانت أكثر المناطق اليمنية التي أخذت فيها النخب السياسية تحول الإنتماء السياسي إلى "جزر "مفرطة في الاختلاف مع الآخر ، لدرجة أصبح الانتماء السياسي فيها أقرب إلى العصبية منه إلى الإنفتاح والتفاهم والتعايش، وهو أمر مناقض تماماًً للبشارة التي ظلت تعز تحملها لليمن بأكمله .
شحنت تعز بهذا اللغم الكبير ، وتوزعت مفاتيح تفحير اللغم على أكثر من يد من أيادي الهيمنة القديمة والحديثة .
لا يوجد حل لما يجري في تعز غير أن تعترف نخبها السياسية بحقيقة أن الحالة العصبوية التي آلت إليها التكوينات السياسية لا بد أن تنتهي ، وأن تغادر الجزر التي احتشدت فيها وتخرج إلى ساحة مفتوحة تستطيع فيها أن تقرأ بوضوح مكانتها في خارطة الصراع والمواجهة التي يمر بها اليمن ، وأن تسحب مفاتيح تفجير اللغم من الأيدي المهيمنة بدوافعها المختلفة ، وأن تعيد ترتيب تموضعها بما يتناسب مع الدور الوطني والتاريخي لتعز .