لم يخفت وهج ثورة فبراير 2011 حتى اليوم، ولا يزال الشباب الذين شكلوا القاعدة العريضة لها منذ انطلاقاتها الأولى مستمرون في تحقيق أهدافها، برغم انحراف مسارها الإجباري وخروجها من مربع السلمية إلى العنف الذي نعيشه اليوم كامتداد لذلك التاريخ.
لم يكن العنف خيارهم، وقابلوا سلاح النظام السابق الذي وجهه إليهم بتمسكهم أكثر بالسلمية، فلقد كان الشباب من طلاب الجامعات وكثير منهم أطباء وأساتذة وأكاديميين وأطباء.
نجحت ثورة فبراير في إسقاط نظام صالح الذي ظل على كرسي الحكم طوال ثلاثة وثلاثين عاما، ولم يكتفِ بذلك بل حاول توريث الحكم لنجله أحمد، وقضوا على المخاوف التي كانت أشبه بـ"التابو" الذي من الصعب الاقتراب منه في المجتمعات العربية.
اليوم يحاول البعض المُزايدة وأن يُحمل ثورة فبراير مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد، ويزعم أنها كانت الجسر للحوثيين لتنفيذ انقلابهم، لكن الحقيقة أن الانقلابيين لم يكن مشروعهم منذ 2011 فقط والجميع يعلم أن النظام خاض ضدهم ثلاثة حروب، وبرغم ذلك لم يتمكن من القضاء على مشروعهم، بل زادهم قوة وهو ما جعل البعض يتأكدوا من تواطؤ صالح معهم، فما مشاركة تلك الجماعة بالساحة إلا كأي فئة أخرى دخلت دون سلاح.
إضافة إلى ذلك فالجميع يعلم أن الوضع المعيشي في البلاد والفساد كان مستشري، وكما نلاحظ فنسبة الفقر على سبيل المثال كانت ترتفع بشكل مستمر وهي أساس أكثر المشاكل في اليمن، فما إن حدث اضطراب في البلد حتى ارتفعت بشكل أكبر لأن اليمن من بلدان العالم الثالث، وتصنف كواحدة من أفقر بلدان العالم، مع أن 33 سنة كانت كافية لنقل بلد كاليمن إلى مرتبة متقدمة وتخرجها من دائرة الفقر والبؤس.
بالنظر إلى بعض الإخفاقات التي حدثت في ثورة فبراير 2011 وأوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، في البداية يجب أن نعلم جميعا أن مختلف الثورات ما إن تحدث تبدأ التحالفات بالتغير ومعها تتدخل أطراف مختلفة دولية أو إقليمية لدعم جهة ما من أجل ضمان حماية مصالحها وأنظمتها، وهذا بالفعل ما حدث باليمن، فقد أدت المبادرة الخليجية إلى استقواء صالح لكنها لم تعالج جذور المشكلة التي خرج لأجلها ملايين اليمنيين.
بينما لو كان تم دعم الثورة التي حظيت بكل ذلك الزخم الشعبي لكانت حققت أهدافها وخلال وقت قصير، لكن ما حدث يؤكد مخاوف بعض الدول من أن يطالها تغيير الأنظمة وصعود قوى لا ترتبط معها بمصالح. وها نحن اليوم جميعا ندفع ثمن ذلك فلو كان الشباب آنذاك وبدعم إقليمي استمروا بثورتهم وقابلوا لو اضطروا السلاح بالسلاح وأسقطوا النظام السابق، لما كان صالح استمر بالمقاومة واستخدم أوراقه كالتحالف مع الحوثيين للتنكيل بالخصوم، ولما اندلعت الحرب هذه من أساسه ولكان حجم الثمن والتضحيات أقل بكثير من التي ندفعها الآن، وسيتمتع الإقليم بالاستقرار.
كما نعلم جميعا فإن شباب الثورة يؤكدون أن الحرب الحالية هي امتداد لثورتهم والكثير من الشباب مشارك فيها، من أجل القضاء على الإمامة التي يسعى الحوثيون لإعادتها إلى البلاد. وفي حقيقة الأمر فإن امتداد عمر الثورة قبل الحرب هو ما جعلها عرضة للتدخل الخارجي أو الاستغلال الداخلي والاختراق.
أكاد أجزم أن ثورة الشباب ما كانت ستصل إلى ما وصلنا له اليوم، إن لم يكن حدث استعداء بعض الذين ينتمون لحزب المؤتمر الشعبي العام، واستمرار تخوينهم وعدم استيعابهم، فقد تسبب ذلك بفجوة كبيرة تظهر بشكل جلي حتى اليوم برغم أن الجميع حاليا يتم محاربتهم من قبل الحوثيين بعد تفكك تحالفهم مع صالح.
ولا ننسى أن نشير إلى أن أبرز الإخفاقات التي واجهتها الثورة كان مصدرها القوى السياسية التي استغلت عدم وجود قيادة واحدة تقود شباب الثورة، فجعلت نفسها الوصي عليهم واستغلتهم من أجل تحقيق أهدافها، واستمر النهج القديم ذاته وحولت تلك الأحزاب ثورة الشباب إلى معارضة، وبدأت بالتقاسم والمحاصصة ضاربة عرض الحائط بطموح الشباب الذين ما زالوا في الساحات، وسقطوا برصاص النظام السابق.
لا يفوتنا كذلك كشباب ثورة غير متسلقين ولا هدف لنا إلا أن نحيا وأبناءنا من بعدنا حياة كريمة، أن نذكر التقاسم والخلافات التي بدأت تعصف من قلب الخيام بالساحات، فشكلت حملا ثقيلا على الثورة إلى جانب الأحزاب. فقد كشف كل ذلك الولاءات للأشخاص والجماعات وبعض الأحزاب والتي كانت على حساب الثورة وأججت الصراعات.
لا يعرف سبب تشبث الشباب بالثورة حتى اليوم، إلا الذين وقفوا ساعات طويلة تحت أشعة الشمس والتواقين للحرية والتغيير نحو الأفضل، والذين بُح صوتهم وهم يهتفون لأجل الوطن ولأجل أحلامهم المشروعة، التي كان الطريق لها شديد الوعورة بسبب الحياة الصعبة في ظل حكومة ونظام لا يهتم إلا بعائلته ومن تجمعه بهم المصلحة. وأنا هنا أخص الشباب الذين لم يتخذوا من ثورة مجرد سُلم للوصول إلى أهدافهم، وكل الطامحين لحياة مستقرة هم يمثلون الثورة ولا يمثلها أحد بعينه. ونحن على يقين أن الثورة ستحقق كامل أهدافها إذا ما تم تدارك بعض تلك الإخفاقات والالتحام في وجه الحوثيين، من أجل استعادة الدولة لنعيش حياة مستقرة مع قيادة قوية قادرة على إدارة البلاد وحمايتها والاهتمام بالتعليم الذي من خلاله يمكن بناء وطن قوي.