اتصال الملك سلمان بالرئيس التركي رجب أردوغان، هو احتواء ذكي للموقف، بعد أن فشلت كل الأدوات والسبل الأخرى في وقف تداعيات حادثة "جمال خاشقجي".
الملك سلمان، أكد خلال الاتصال على صلابة العلاقة مع تركيا، مؤكدا أنه لا أحد يستطيع النيل منها، كما رحب بدعوة الرئيس التركي بمقترح المملكة تشكيل فريق عمل مشترك، لبحث موضوع اختفاء المواطن السعودي، جمال خاشقجي.
قبل مدة أدلى "محمد بن سلمان" لمجلة "ذا اتلانتيك"، بتصريح مثير، حول القضية الفلسطينية، وحينها ضجّت جميع وسائل الإعلام العربية، وخصوصا تلك المناوئة للسعودية، وتناولت التصريح "المثير" فعلا، بكثير من النقد والتشهير، كونه حوى تنازلا لصالح إسرائيل، ولمواجهة هذه الشطحة، أجرى "الملك سلمان" اتصالا بترامب، أكد فيه على موقف المملكة الثابت من القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني.
تبدو المملكة أكبر شأنا من أن تشغل نفسها بإطفاء حرائق لا مصلحة لها في إشعالها، والأدهى أن الملك ذاته يلجأ في كثير من الحالات للقيام بدور الإطفائي.
مشكلة المملكة، في الأدوات التي يعتمد عليها "الأمير الشاب الطموح"، وهي أدوات تفتقر إلى الكياسة، والفقه الاستراتيجي، فالمملكة ليست كغيرها من الدول، نظرا لموقعها الجغرافي، ومكانتها الاقتصادية، وفوق هذا وذاك، محوريتها في القضية الإسلامية، فهي القلب النابض، وفيها توجد مقدسات المسلمين.
لذلك فالمملكة بحاجة إلى أشخاص ذوي فطنة واطلاع سياسي، ودراية واسعة بالعلاقات الدولية، وأبعاد السياسة الدولية، فالعلاقات بين الدول لا تنجح باللغة الفوقية، والأنفة، فميدان السياسة لا تنفع معه الشراسة البدوية، ولا ينفع معها التلويح بسلاح المال والاقتصاد، لأن هذا الأخير، يجذب المتآمرين أكثر مما يخيف الخصوم.
فالمال يجذب القليل من الأصدقاء الأوفياء، والكثير من الأعداء المقنعين بثياب الصداقة.
تحتاج المملكة إلى أدوات جديدة، وشخصيات أقل سريالية من "سعود القحطاني"، وشلته التي تفتقر إلى الحنكة السياسية.
يعجبني على سبيل المقاربة، النضج التركي في التعاطي مع الأزمات، فلا مانع لدى صناع القرار التركي، أن يتحولوا من أجل المصلحة القومية للبلاد، من العداء إلى الصداقة لهذا الطرف أو ذاك، إذا ما اقتضت المصلحة ذلك، وهذا ما جعلهم يخرجون مؤخرا من مأزق القس الأمريكي، وسابقا من مأزق التوتر مع روسيا عقب إسقاط الطائرة الروسية، فضلا عن التحول الكبير من الحرب في سوريا.
المملكة محورية، وشطحات الشباب كارثية عليها، فليس من مصلحة بلاد الحرمين، إحاطة نفسها بمزيد من الخصوم، وكثير من المتمصلحين.