لا يمكن لشخص يمتلك منطقاً أن يجادل في أن الحرب التي تخوضها قوات التحالف العربي في اليمن فرضتها «الضرورة»، فلم يكن من أي بديل عنها لإيقاف التمدد الإيراني في الخاصرة الاستراتيجية الخليجية في اليمن وبالنتيجة لا يمكن الاعتقاد أن نتائجها الإيجابية ستقتصر على دول التحالف، بل العكس فإن النتائج الظاهرة على الأرض تثبت للباحثين عن السلام والاستقرار أنها لمصلحة الجميع في الإقليم والعالم إذا ما وسعنا دائرة تفكيرنا في الإشكالية التي يعيشها الشعب اليمني واحتمالات وجود ميليشيا تمتلك قدرات تخريبية بحجم «حزب الله» اللبناني.
وكخليجيين (الطرف الأكثر ضرراً في وجود عصابة في الجوار الجغرافي) مهم لنا أن نناقش الحرب ضد «الحوثيين» من الناحية الاستراتيجية البعيدة المدى، وألا نركز على الموضوع من ناحية أنه خلاف داخلي فقط بين فصيلين سياسيين، لأن المشهد يكرر ما حدث في لبنان بإنشاء «حزب الله» والسكوت عليه نتيجتها واضحة في لبنان وفي الدول المجاورة له، وألا نخفي النتائج الجيدة التي حققتها هذه الحرب حتى الآن، سواء بالنسبة للعرب أو الدول الأفريقية، خاصة في منع ظهور ميليشيا خطيرة بحجم «حزب الله» كيلا تتحول المنطقة بعد ذلك إلى منطقة كوارث متتالية.
إن توالي إطلاق الصواريخ على الأراضي السعودية ليس نتيجة قدرة «الحوثيين»، ولكن هذا دليل عملي كامل على حجم الوجود الإيراني في اليمن، فحسب ما هو متعارف عليه أن الحرب مع الميليشيات هي حرب عصابات، أي أنها غير نظامية، ولكن حرفية «الحوثيين» تؤكد أن هناك من يوجههم ويقدم لهم المشورة، ويوفر لهم الدعم الكامل لا سيما على صعيد القدرات العسكرية والسلاح.
ونحن على مستوى دول التعاون الخليجي الذين على خلاف سياسي كبير وعميق مع إيران الجارة، التي تحاول بكل ما تستطيع تدمير الاستقرار، فإن مصلحتنا تكمن في عدم تمددها في دولة عربية مجاورة، هذا إذا افترضنا أن كل الدول العربية لديها حساسية من التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية لأن هناك دولاً أخرى ترى أن التقارب معها أفضل من التقارب مع الدول العربية والخليجية وفق منطق غريب وعجيب!! لأن فكرة مداراة الدولة الجارة وتحمل تجاوزاتها لمجرد أنها جارة، ربما هي فكرة تنتمي إلى «جمهورية أفلاطون الفاضلة»، ولكن من المؤكد أن الزمن تجاوزها في الفكر السياسي، لذا نعتقد أن تعديل سلوك مثل هذه الدولة أمر غاية في الأهمية.
خصلتان بينتهما كل الميليشيات التابعة لإيران سواء في العراق أو لبنان ومنها «الحوثيون» في اليمن، التي تدفع الآن ثمن عدم التزامها بوعودها الدولية بالحضور إلى مفاوضات جنيف، هي أن لديها -الميليشيات- طموحا كبيرا في أن تكون دولة داخل دولة وأن تمتلك أسلحة تسمح لها أن تمارس «البلطجة» ضد الحكومات الشرعية في البلاد التي تتواجد فيها، بل ترسل إشارات غير إيجابية لدول الجوار إن حاولت الخصام مع النظام في إيران.
والخصلة الثانية أنها تحمل عداءً شديداً للدول الخليجية وبعض الدول العربية التي تحاول أن ترفض التدخلات الإيرانية في شؤونها، وهذا يعود إلى أوهام النظام الإيراني الذي يحب أن يرى في الدول العربية «حديقة خلفية» له، (والمؤسف أن بعض الدول قابلة بذلك) وبالتالي فإن طهران تعطي نفسها الحق في التدخل في الشؤون العربية متى وحيثما ما أمكنها ذلك.
إنهاء الحرب في اليمن هي رغبة دول التحالف العربي قبل غيرها. ودول التحالف أحرص من غيرها على الاستقرار والأمن في المنطقة، ولهذا تحرص على أن تنتهي الحرب بدون وجود حركة تمثل تهديدا للاستقرار في المنطقة.
وهذه ليست مصلحة للسعودية والإمارات واليمن فقط، ولكن هي مصلحة للعالم بأكمله، فالجميع يرى ويسمع التهديدات الإيرانية للملاحة الدولية ويشاهد الصواريخ الإيرانية التي يرسلها «الحوثيون» إلى السعودية، لذا على الدول الخليجية كلها العمل باستراتيجية بعيدة المدى لاستقرار المنطقة.
*البيان