حينما تقدمت القوات المسلحة اليمنية، صوب العاصمة صنعاء من جهة الشرق، وتمكنت من السيطرة على مساحات شاسعة من السلسلة الجبلية الشاهقة في نهم، توقفت العمليات على بعد بضع عشرات الكيلومترات من العاصمة، ومنذ ذلك الحين والكثير يتسائلون عن سبب مراوحة هذه الجبهة، وبقائها في مربع الكر والفر، إلا من بعض التقدمات البسيطة للقوات الحكومية.
يتكرر المشهد اليوم في الساحل الغربي، في محافظة الحديدة، فبعد أن أحرزت القوات المشتركة خلال فترة قياسية تقدما كبيرا، تمكنت خلاله من السيطرة على ثلاث مديريات والوصول إلى الركن الجنوبي لمطار الحديدة، توقفت العمليات، وفي هذه المرة اضطر التحالف على لسان "وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش"، إلى إعلان وقف العمليات لإتاحة المجال للمنظمة الدولية لعلها تتمكن عبر مبعوثها الخاص إلى اليمن "مارتن غريفيث"، من إقناع المتمردين الحوثيين بالانسحاب من المدينة الساحلية والدخول في عملية سلام شاملة على أساس المرجعيات الثلاث المعترف بها دوليا.
ومع ذلك لم يحدث شيء من ذلك، وظلت القوات المشتركة تخوض حروب محدودة، لتأمين المناطق التي تمكنت من السيطرة عليها، إلى جانب صد الهجمات الحوثية التي لم تتوقف منذ عدة أشهر في الدريهمي والتحيتا وحيس وغيرها من الجبهات الواقعة جنوب الحديدة.
وفي كثير من الجبهات، تخضع التقدمات العسكرية لحسابات سياسية إقليمية ودولية، تتدخل في صياغتها أطراف دولية كبرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا هو السبب الرئيس في إطالة أمد الحرب، لصالح جماعة الحوثي التي تستغل هذا التجاذب في الملف اليمني لصالح إعادة ترتيب أوراقها، وتكثيف عملياتها لتحويث المجتمع، وتجنيد أكبر قدر ممكن من شبابه وأطفاله للإبقاء على جذوة الحرب مشتعلة، طمعا في الوصول إلى تسوية سياسية تحفظ للجماعة الجزء الأهم من مكاسبها التي حققتها طيلة السنوات الأربع الماضية.
ولعله من الصعب توصيف هذا الموقف الغربي والأمريكي تحديدا، من الحرب في اليمن، ففي الوقت الذي تبدي موقفها المساند للحكومة الشرعية، إلا أنها لا تحرك ساكنا – إن جاز التعبير - إزاء استمرار تعنت الحوثيين، وإصرارهم على المضي في حربهم الإيذائية للشعب اليمني والجيران، وهو الموقف الذي يستفيد منه الحوثيون الانقلابيون، في مقابل تزايد الأضرار الإنسانية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية على الشعب اليمني.
هناك من يطرح فكرة المُعطى الإنساني كسبب من أسباب تأخير الحسم، لكن وإن كان هذا صحيحا في جانب منه، إلا أن بقاء الوضع كما هو عليه، يضاعف معاناة السكان، ويزيد من تعقيد المشكلة، ويدخل المواطن اليمني في دوامة من الإحباط واليأس، فضلا عن الخسائر التي تتراكم يوميا سواءا في الأرواح أو في اقتصاد البلاد وبنيتها التحتية، وأمنها واستقرارها.
كما أنه في ظل هذه الظروف، ضَعُفَت الحكومة الشرعية، وبدأت موجة التذمر بالارتفاع، كما وجدت تيارات مليشاوية نفسها أمام فرصة لتحقيق أجندتها، مستغلة حالة الشلل والتيه التي تعاني منها الحكومة، كما أن بقاء الوضع على ما هو عليه، ساهم في استنزاف الاقتصاد، وإضعاف بنية الدولة المالية، ومن ثم انهيار العملة، وتضاعف معاناة المواطنين، وفي محصلة هذا كله، أصبحت هناك حالة من عدم الثقة تتخلق يوما بعد يوم تجاه الحكومة المعترف بها، لصالح تعزيز ثقة الناس المحبطين بالمجموعات المسلحة التي تحمل أجندة مضرّة بأمن البلاد ومصالحها القومية، كما هو حال السكان في مناطق سيطرة الحوثيين، وكذا حال السكان في بعض المحافظات الجنوبية.
وهنا لا بد من التأكيد على أن الحكومة والتحالف من وراءها، يجب أن يمنحا الخيار العسكري مجالا للتقدم ولو بخطوة واحدة، وألا يسمحا للهدأة العسكرية أن تطول، كما أن عليهما ألا يتركا للانقلابيين فرصة لالتقاط أنفاسهم، وإن يحركا كل أوراقهما للضغط على القوى الغربية باتخاذ موقف واضح من الانقلاب على الشرعية الدولية، من قبل هذه المجموعة التي لا تحترم القوانين والأنظمة المحلية والدولية، خصوصا أن كل محاولات التوصل إلى تسوية سلمية بائت بالفشل بسبب تعنت الحوثيين.