لا أعتقد أن شخصا لديه أدنى معرفة واطلاع على مجريات الأحداث كان يتوقع أن يعلن صالح الحرب على حلفاءه الحوثيين في المهرجان الجماهيري الكبير الذي أقيم في ميدان السبعين بالذكرى ال 35 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام ، بيد أن السخرية والانتقاص من مئات الآلاف من جماهير الشعب التي حضرت السبعين واعتبارهم مجرد عبيد لعفاش وخرجوا فقط لتحسين شروط عبوديتهم هو أمر مؤسف خاصة من قبل بعض شباب ثورة فبراير التي كانت ثورة شعبية اعتمدت على الجماهير واحتشادهم في ميادين العاصمة وغيرها من المحافظات اليمنية ..إن نضالنا اليوم ضد الإمامة ومشروعها الكهنوتي إنما هو امتداد لنضال الحركة الوطنية اليمنية التي انتصرت بجماهير الشعب الذين كانوا آنذاك أكثر جهلا وفقرا وتخلفا من جماهير المؤتمر اليوم بل ومن جماهير الحوثي كذلك ..ودعونا نقارن - بلمحة سريعة - موقف بعض الشباب اليوم بموقف أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري قبل ما يزيد عن 60 عاما.
الزبيري و إيمانه بالشعب:
يعلق الدكتور عبد العزيز المقالح على مقولة والت وايتمان: "أن دليل شاعرية الشاعر أن تتشبع بلاده بحبه تشبعه بحبها" فيقول "وأجزم أن هذا الوصف لا يصدق على شاعر في اليمن -ولا حتى في الوطن العربي بأسره- كما يصدق على شاعرنا الشهيد محمد محمود الزبيري، فقد ارتبطت حياة هذا الشاعر المناضل بحياة شعبه المناضل، وكونا خلال ثلاثين عاماً (من أواسط الثلاثينات إلى أواسط الستينات) توأماً روحياً وعاطفياً يتبادل الحب والتضحية" ..
إن الكثير من الشخصيات والحركات والأحزاب كثيرا ما كانت - ولا تزال - تتغنى بالشعب وباسم الشعب؛ ولكن ما إن تفشل هذه الشخصيات أو الأحزاب في إقناع الشعب في الوقوف معها حتى نجدها تتهمه بالغوغاء والدهماء واتباع كل ناعق "كما يصفه بعض الإسلاميين"، أو متخلف ورجعي وجاهل يضحك عليه الدراويش باسم الجنة والنار!! "كما يصفه بعض أدعياء الحداثة والعلمانية"،او عبيد ومرتزقة كما يقول بعض المستاءين من موقف الجماهير اليوم من دعاة الإمامة الجدد ، لكن شهيدنا العظيم لم يتزعزع إيمانه بالشعب يوماً. لقد بدأ مع رفاقه أواخر ثلاثينات القرن الماضي رحلة الكفاح ضد الإمامة من أجل الشعب ، رغم إدراكه مدى تشيع الجماهير بالإمام يحيى واعتقادها -نتيجة التعبئة الإمامية - أن طاعته دينا وعقيدة ومعارضته فسقا وكفرا. ..كيف لا وهو القائل في مطلع شبابه مخاطبا الإمام يحيى :
من أين يأتيك العدو وأنت في
بلد تكاد صخورها تتشيع.
لكنه مع ذلك انطلق مع رفاقه أواخر ثلاثينات القرن الماضي ينصح الإمام وينتقد مظالمه من أجل هذا الشعب المظلوم ، وهو ما عرضه لخطر الموت من الطاغية وولي عهده ، لكنه تمكن مع زميله ورفيق دربه أحمد محمد النعمان من الفرار إلى عدن ولحقهما بعض الشخصيات وهناك أسسوا حزب الأحرار عام 1944م، فبعث الإمام يحيى حميد الدين ولى عهده "احمد" إلى عدن محاولاً استمالتهم وإغراءهم بالأموال لكي يتركوا الشعب وشأنه، ولكن الزبيري يأبى ذلك قائلا:
منحونا الدنيا لكي ننبذ الشعب
ونغضي عن ظلمهم فأبينا.
لو يبيعون ألف تاج باسم
لفقير من شعبنا لأبينا.
لقد رفض منطق المهادنين للإمامة لأنها في نظرهم أقوى والشعب ضعيف وبالتالي فإن التغيير صعب وأنه يمكن استثارة عطف الإمام لا غضبه، حيث يقول:
عجبا للجبان يستمنح الظلم
أمانا والشعب أبقى وأخلد!
يتوقى إغضاب محتضر فان
وينسى شعبا صحى وتمرد!
وقد توج نضالهم بثورة فبراير 1948. .التي تمكن السفاح أحمد من الاطاحة بها ومن خلال حشد القبائل التي قامت الثورة من أجلهم للاسف ، فبعد 21 يوما فقط من قيام الثورة دخل " أحمد يا جناه " صنعاء بجحافل " أنصار الله " ليعيثوا فيها فسادا ونهبا ، وتوزع الأحرار والثوار بين المقابر و السجون والمنافي. فماذا قال أبو الأحرار عن الشعب بعد هذه الانتكاسة " مصرع الابتسامة" كما سماها ؟!