التهديدات التي أطلقها مؤخراً وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان بحق المملكة العربية السعودية الشقيقة، لم تخرج عن النهج العدواني لنظام طهران ضد دول الجوار العربي، لضرب أمنها واستقرارها وإفساد الوئام الوطني الذي يسود شعوبها. فبهذه التهديدات تستمر طهران في الخطأ ولا تترك مجالاً لإرساء علاقات تقوم على حسن الجوار واحترام سيادة الدول، وتنسف كل جسور الحوار ومساعي إخلاء المنطقة من الصراعات والأزمات.
إيران دولة جارة ومكوّن أصيل في المنطقة، هذه حقيقة ثابتة، ولكن ذلك لا يسمح لها بأي حال من الأحوال أن تتطاول على جيرانها وتعمل على زعزعة الاستقرار وإذكاء الفتن الطائفية والتآمر، وهي سياسة رسمية تنفذها طهران بواسطة ميليشياتها الطائفية وشعاراتها الكاذبة وبطولاتها الزائفة، وقد كانت النتيجة دمار دول عربية في طليعتها العراق وسوريا واليمن، ويبدو أن الأجندة الإيرانية لا تتوقف عند هذا الحد، ولا تخفي أن استهداف السعودية مثلما هو الحال في البحرين ما زال على قائمة الأهداف .
في تهديده للسعودية وقوله إن بلاده «لن تبقي مكاناً آمناً في السعودية سوى مكة المكرمة والمدينة المنورة إذا فكرت الرياض في مهاجمة طهران»، تغافل دهقان عن أن الحرم المكي الشريف، وهو أقدس بقعة على وجه الأرض، لم يسلم سابقاً من الإرهاب الإيراني في مناسبتين على الأقل خلال عامي 1987 و1989، حين استباحت إيران عبر مرتزقتها وظلامييها دماء الحجاج في المسجد الحرام وفي الشهر الحرام، فكانت فاجعة لا توصف، ستحمل وزرها الخمينية إلى الأبد. وإذا كان الوزير الإيراني تجاهلها، فإن مئات ملايين المسلمين في أرجاء المعمورة لم ينسوها، وستظل شاهدة على هذا التطاول اللامحدود على أكبر المقدسات. وفي التاريخ القريب، ألم تستهدف ميليشيات الحوثي المتمردة في اليمن مكة المكرمة بصاروخ العام الماضي، ولكن الله سلّم، وأسقطته الدفاعات الجوية السعودية قبل أن يبلغ هدفه، وهي حادثة جديدة تدين إيران، التي تدعم الحوثيين بالصواريخ والأسلحة من مختلف الأنواع، وكذا المرتزقة والمستشارين.
المنطق السليم لحسن الجوار يفرض أن يتوقف هذا الأمر كله، وأن يحتكم غلاة التحريض في إيران إلى العقل والإيمان بمبدأ التعايش واحترام خصوصيات الشعوب الأخرى، فهذا هو الطريق الأسلم، أما نهج التطاول والتهديد فلن يفيد إيران والمنطقة في شيء، بل سوف يذكي الثقافة الطائفية المدمّرة، ويعمّق الفجوة بين المسلمين الذين تعايشوا منذ فجر التاريخ على مختلف مذاهبهم وخياراتهم. لقد رأت المنطقة من الحروب والويلات والمآسي الإنسانية في سنوات قليلة ما يبقى حديث القرون. ومن يتوهم أنه سيكسب المعركة في النهاية، فهو واهم ويعاني انفصاماً عميقاً لن يسعفه لتحقيق ما يتآمر من أجله. لقد تجاوز التطاول الإيراني على شعوب المنطقة حدود التحمّل، ويكاد يقترب من نقطة لا رجعة عنها، وحتى لا يقع المكروه، يجب على هذا الجنون أن يتوقف، وأن يتجه الجميع إلى كلمة سواء تزيح الغمّة عن المنطقة، وتحوّل خوفها من المجهول إلى أمن وتنمية ورقي حضاري، يحفظ لشعوب المنطقة الكرامة والحقوق والمستقبل.