أغرب ما في الحرب في اليمن أن الأطراف التي تشعلها تبكي على ضحاياها.
بكل بساطة، أوقفوها كي نصدق أن قلوبكم فعلاً على أسر ضحايا مجزرة القاعة الكبرى في صنعاء، دون أن نتحدث عن مجزرة بير باشا، ومجازر تعز وعدن ومأرب والضالع ولحج، لأنها مجازر ضد الدواعش والتكفيريين!
هل تذكرون مجزرة المدنيين "الدواعش" في عرض بحر عدن الذين هربوا على القوارب من قصفكم، وملأتم البحر بدمائهم؟
دعونا من ذلك كله.
والآن، هل تقبلون بتحقيق دولي ملح وعاجل في كل الجرائم التي ارتكبت أثناء هذه الحرب؟
هل تقبلون أن تؤخذ جرائم الحرب في اليمن - كملف واحد - إلى محكمة الجنايات الدولية؟
يؤسفني أن أقول لأسر الضحايا أنكم أول من سيعارض تحقيقاً دولياً في كل جرائم الحرب المرتكبة في البلاد؟
لماذا ستعارضون؟
بكل بساطة، لأنكم اقترفتم جرائم حرب لم توثقها "قنوات العدوان"، ولكن وثقتها منظمات حقوقية دولية، ولذا لن توافقوا أنتم قبل "دول العدوان" على أي تحقيق دولي شامل.
نعود لنقول: إن كنتم مع شعبكم ووطنكم، وضد ما يجري من تجريف لقدراته وبنيته التحتية، وإن كنتم فعلاً تشعرون بالحزن على المرحومين هلال والجايفي وآل الرويشان وغيرهم، فأوقفوا الحرب.
ستقولون إن الذي يرفض وقفها هو "العدوان السعودي ومرتزقته"؟
طيب صدقناكم، وسنردد بعدكم" العدوان السعودي ومرتزقته" لا يريدون إيقاف الحرب.
طيب: من هو الذي يرفض المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الدولية التي هي مرجعيات الحوار الذي ذهبتم إليه في كل الجولات السابقة؟
كيف ترفضون مرجعيات السلام، وتطلبون وقف الحرب؟!
هذا لا يستقيم، من يريد إيقاف الحرب يلبي متطلبات السلام.
تعالوا نشرح لكم ماذا قدم العالم لكم من تنازلات.
كان القرار الدولي واضحاً في تسلسله الزمني، ونذكركم - هنا - بأنكم أرسلتم رسائل خطية إلى بان كي مون تقولون إنكم تقبلون بالقرار الدولي.
القرار متسلسل يطالب بتسليم الأسلحة، وسحب المليشيات، وتطبيع الأوضاع، ثم تشكيل الحكومة.
هذا ما قبلتموه، ووافقتم عليه.
انقلبتم بعد ذلك. قلتم لا بد من تشكيل الحكومة قبل سحب السلاح والمليشيات، لأنكم لا تثقون بالطرف الآخر.
قال العالم: يمكن أن يكون تشكيل الحكومة متزامناً مع سحب السلاح والمليشيات.
بطلت حجتكم.
هيا نبدأ بتشكيل الحكومة.
رجع المهرج البهلون وأخرج من قبعته أرنباً جديداً.
قلتم: لمن نسلم السلاح؟
لن نسلمه للمرتزقة؟
ومع أنكم تعرفون من أين نهبتموه، ومع أنه سلاح الدولة، ومع أن القرار الدولي يقضي بتسليم أسلحة الدولة للدولة، ومع أن الدولة التي تعترف بها الأمم المتحدة هي التي يمثلها الرئيس هادي، مع كل ذلك، قلتم لن نسلم السلاح لأعدائنا ليقتلونا به.
"طيب، حاضر". قال العالم.
لا تسلموا السلاح لحكومة هادي، سلموه لطرف محايد، من ضباط عسكريين لم يشتركوا في الحرب لا معكم، ولا مع هادي وجماعته.
كان ذلك متضمناً في الخطة الدولية التي قدمها ولد الشيخ قبيل نهاية محادثات الكويت.
وافق الطرف الحكومي على الورقة ورفضتموها.
رجعتم تقولون إن تنفيذ القرار الدولي يعني إقصاءكم وتسليم رقابكم للأعداء، يعني إعلان هزيمة لن تقبلوا بها.
قال لكم العالم: تعالوا شاركوا بنصيب وافر في الحكومة، كونوا أصحاب سلطة.
وإلى اليوم لا يفهم أحد كيف يمكن لمشاركتكم الفعلية في السلطة أن تكون هزيمة لكم.
دعوني أقولها لكم بكل صراحة: أنتم تريدون السلطة كلها دون شراكة، وهذه مشكلتكم.
ترفضون الحل لا لأن الآخرين لا يريدون مشاركتكم في السلطة، بل لأنكم أنتم لا تريدون أن يشترك معكم الآخرون فيها.
هل تعرفون لماذا ترفضون مشروع الاقاليم؟
تقولون إن المشروع خطر على الوحدة اليمنية.
والكل يعرف أن المشروع يشكل خطراً على استحواذكم على السلطة والثروة، وهذا سبب رفضكم له، ورفضكم لمخرجات الحوار الوطني التي أقرت "الأقاليم"، بتوقيع جميع المكونات بما فيها فريقكم الذي شارك في الحوار.
هل عرفتم كم أنتم ثقلاء، وغلاظ، وبأروح كثيفة.
هل عرفتم الآن من المسؤول عن استمرار النزيف في دماء اليمنيين؟
بالله عليكم اصدقوا مرة واحدة.
مرة واحدة فقط كي تثبتوا أن خصومكم هم السبب في كل هذه الكوارث.
اصدقوا واقبلوا خطة السلام التي قدمتها "ورقة العمل" التي يعمل ولد الشيخ اليوم جاهداً لإقناعكم بها.
اصدقوا، ولو مرة واحدة، وكفاكم استثماراً في بنك الدم اليمني.
عليكم أن تعرفوا أن الأمور لن تعود إلى الوراء، مهما كان حجم تهوركم، وعدم مبالاتكم بدماء اليمنيين.
وعندما نقول إن الأمور لن تعود إلى الوراء، فهذا يعني أن زمن استئثاركم بالسلطة والثروة قد ولى، وأن حكمكم منفردين لليمن من شواطئ عدن إلى جبال صعدة لم يعد ممكناً بعد كل هذه الدماء.
راجعوا أنفسكم، حكموا العقل والضمير.
نأمل ألا يزال فيكم قليل من روح، قليل من حس أو شعور.