ياسين التميمي
لم يعد التحدي الأساسي الذي يواجه مشاورات الكويت مقتصرا على التعقيدات الناشئة عبر المسار الطويل والممتد إلى ما لا نهاية لهذه المشاورات، ولكنه أخذ شكل تحد وجودي للمشاورات نفسها، وعدم استئنافها أصلاً، في ضوء التصريحات الحكومية عالية المستوى التي ألمحت إلى إمكانية عدم ذهاب الوفد الممثل للشرعية إلى الكويت مرة أخرى.
وقد جاء الموقف الحكومي مترافقاً مع انتقادات حادة وجهها الرجل الثاني في الحكومة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية رئيس الوفد عبد الملك المخلافي، الذي قال في تصريحات صحفية "إن ثقة الحكومة بالمبعوث الأممي اهتزت قليلاً" بعد تقديمه خارطة طريق لا تحتكم للمرجعيات الثلاث وهي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات الشرعية الدولية بشأن اليمن.
قد يضع تصعيدٌ كهذا ضد الأمم المتحدة ومبعوثها، الحكومةَ في موقف صعب للغاية، صحيح أن الانقلابيين هم الذين رفضوا التوقيع على بيان يتضمن في ما يتضمن التزاماً بالعودة إلى المشاورات بعد انقضاء مهلة التوقف لدواعي الإجازة والتشاور، والبالغة خمسة عشر يوماً، إلا أنهم لن يكونوا عرضة للنقد أو اللوم أكثر من الحكومة ولن يُتخذ بحقهم من إجراءات أكثر ما قد تم اتخاذه حتى اليوم، وهم الذين حرصوا دائماً على أن تقود المشاورات السياسية إلى تثبيت انقلابهم، وهو ما حققه التصور الأممي أو خارطة الطريق التي عرض جانباً منها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ.
سيحتاج المبعوث الأممي والرعاة الدوليون للمشاورات وللعملية السياسية في اليمن، إلى وقت طويل لإعادة جمع طرفي الأزمة اليمنية، في طاولة مشاورات، وإذا لم تستأنف هذه المشاورات في الكويت، فليس هناك محطة أفضل وأكثر حميمية من الكويت، وقصر بيان، مرشحة لاستضافة مشاورات متعثرة وبالغة الصعوبة.
وأعتقد أن النتيجة المباشرة لتعثر مشاورات الكويت، هي إغلاق مسار الحل السياسي أو إبقائه، في أحسن الأحوال، موارباً إلى أن تتحقق نتائج ميدانية حاسمة على الأرض، وهي التي ستفرض التنازلات وستدفع باتجاه استئناف العملية السياسية من حيث توقفت وربما من حيث يريد الطرف المنتصر عسكرياً لهذه العملية أن تبدأ وأن تنتهي.
من الواضح أن الانقلابيين ماضون في تصعيدهم العسكري، واستئناف المواجهات على الحدود، وهدفهم الأساسي من وراء هذا التصعيد، وضع الطرف الأقوى في معادلة الحرب ونعني به التحالف وقائدته المملكة العربية السعودية، أمام تحدي الاستمرار في حرب حاسمة أو المضي في ترتيبات سياسية وأمنية منفصلة، تُبقي يدهم على المكاسب السياسية والعسكرية والجغرافية التي حققوها منذ إعلانه حرب الاستيلاء على الوطن عبر السلاح.
لا يكفي أن تعبر الحكومة عن استيائها من المبعوث الأممي، بل عليها أن تستعد للمعركة السياسية القادمة، وهي معركة ساحتها الداخلية أكثر تعقيداً من ساحاتها الخارجية.
على السلطة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي أن تقوم بما يكفي من التحركات لترميم الثقة المتصدعة مع التحالف، وعلى التحالف أن يعزز من نقاط القوة في صفوف الشرعية التي أعطته الغطاء للتدخل العسكري.
إذ من غير المعقول أن تستمر هذه الانتقائية في التعامل مع رموز السلطة الشرعية، بل والتحريض على بعض أطرافها، خصوصاً المؤثرة منها مثل نائب الرئيس ورئيس الحكومة، فقط لأنهما أكثر اتصالاً بالمشروع الوطني الوحدوي.
وعلى السلطة الانتقالية أيضاً أن توقف عملية الفرز السياسي التي تجري في جبهتها الداخلية على أساس أيديولوجي وجهوي، وهي عملية تتم عادة بضغوط باتت مفضوحة من طرف رئيسي في التحالف هو الإمارات، وتستهدف بشكل خاص النيل من وتهميش وإقصاء التيار السياسي الإسلامي المعتدل، وتنصيبه عدواً واستهدافه عسكرياً، بدلاً عن الحوثيين والمخلوع صالح، في سياق حربها المفتوحة والعبثية على من تسميهم "الإخوان المسلمين".
وإن كان هناك من حاجة إلى فرز وتقييم، فيجب أن تستهدف وقف الدور السيئ لأولئك الذين ينخرون في جسد الشرعية من داخله، ممن يتدثرون بالقضية الجنوبية، بينما هم في حالة تماهي كاملة مع المشروع الانقلابي، ولا يترددون في الحديث عن الانفصال والتصفيق له أو السكوت عن الأفعال الغوغائية التي تتم في سياق دعاوى الانفصال وتكريس صورة الدولة الضعيفة التي يقودها رئيس ينتمي أصلاً إلى المحافظات الجنوبية.
لا تزال بعض طائرات التحالف تخطئ أهدافها وترسل قذائفها وصواريخها بعيداً عن تجمعات الحوثيين وجنود المخلوع صالح، لتفتك بخيرة الجيش الوطني والمقاومة، ولا تزال الهجمات الإرهابية تستهدف المعسكرات التي تردد شعار" تحيا الجمهورية اليمنية" وتحمل رموز الدولة اليمنية الموحدة، مثل معسكر الصولبان القريب من مطار عدن الدولي الذي تعرض لهجوم إرهابي غادر صبيحة عيد الفطر المبارك.
لا يمكن لك أن تصل إلى عدوك وتنال منه وقد خلفت وراءك طريقاً مليئاً بقتلى رصاصك وبالموتورين من غدرك وخذلانك، ممن وقفوا معك وساندوك في هذه المعركة، ستجد صعوبة في الانسحاب، من المعركة حتى وإن حققت فيها انتصاراً جزئياً.
يحار المرء من بقاء وزير في الحكومة حتى اللحظة ينعق كالغراب بما يفرق بين أبناء الوطن ويحرض على حياتهم وعلى عيشهم المشترك، إلى حدٍ أصبح بقاؤه في الحكومة وصمة عار لا تمحيها إلا إقالته سريعاً، ويمكن للحكومة أن تعزز علاقاتها بدولة الإمارات عبر القنوات الرسمية وليس عبر مقاولين من أمثال هذا الوزير المسمى "هاني بن بريك".
على الرئيس هادي أن يتفاعل هذه المرة مع الجهود التي تسعى إلى إعادة تأسيس كتلة وطنية صلبة عابرة للأحزاب والأيديولوجيات، يمكن أن تشكل الحامل السياسي لمشروع الدولة ويمكن أن تقود مرحلة انتقالية تتأسس فيه هذه الدولة وتستعيد عافيتها.
ينبغي أن تتسارع خُطى تأسيس هذه الكتلة في ظل الأفق المجهول للعملية السياسية، وفي ظل التطورات المتسارعة في الميدان العسكري، لأن نقطة الضعف التي تنفذ منها المواقف السيئة للأطراف الدولية المؤثرة في مسار الأزمة اليمنية، تتمثل أصلاً في انعدام الثقة بغياب هذا الحامل الوطني واسع الطيف الذي يمكن أن يحقق مشروعية السلطة الانتقالية، ويعمقها ويوفر لها السند القوي في معركة يخطط الانقلابيون إلى إطالة أمدها بكل ما أوتوا من إمكانيات ومن دعم القوى الإقليمية والدولية المتربصة.
*عربي21