خالد الرويشان ...وزير الثقافه الاسبق
دموع باسندوة
اجهاشة الفارس!
لم تكن دموع باسندوه فحسب, بل كانت دموع اليمن أرضا وإنسانا. إنها الدموع النبيلة العزيزة تنساب لمرأى الدماء المنسابة, والمدن الثكلى, والشوارع الحزينة, وأحلام الورد الموؤودة حتى قبل أن يفتح الورد أكمامه.. احلام الورد التي تداس بأقدام القتلة وأحذية البغاة الجهلة.
يُجهشُ باسندوة فتشرق البلاد بالحزن النبيل, وتنتبه الوهاد من غفوتها, والقلوب من غفلتها, كي تتذكر اجمل ما فيها.. انسانيتها المغيّبة الغائبة.
يجهشُ باسندوة.. بينما غيرُه يقتل, وينهب, ويضرب أبراج الكهرباء, ويفتح ابواب المعسكرات للقتلة, ويقطّع اوصال البلاد,.. ويغني أيضا!
يُجهش باسندوة بأحزانه, فتسيل دموع الوطن المخطوف من احلامه, ومقدّراته وقدراته.. بينما آخرون كثر, يوغلون في دمه, لا يهمهم أن تتساقط جنبات البلاد, ولا يحزنهم اغتيال المئات من الجنود الذين لم يستلموا رواتبهم ربما لأشهر, ولا يهزّهم مرأى قطاعٍ كبير من الشعب وهو يتضوّر جوعا في أماسي الظلام واليأس والفوضى.
هؤلاء هم الذين لا تندى عيونهم أبدا, وهم شجعان هذا الزمان! ابطال هذا الظلام.. لكنها شجاعة القرود التي تأكل أبناء جلدتها نكايةً لا جوعا, وبطولة الدّيكة المنفوشة المنفوخة في حلبة اللحظة الكاذبة, وما أقصرها وأصغرها في ميزان التاريخ وأحكامه.
لو كانت عيون حكامنا تمتلئ بالدموع.. إذن لسالت السعادة في الشوارع! وفاضت العدالة في الدروب,..
لكن ، لأن عيونهم كانت دوما غارقة بالطمع وطافحة بالجشع والحقد والحسد.. فقد سالت شوارعنا بالدماء والأحزان والموت والغبار والكراهية.
اجهاشات باسندوة تعيدنا إلينا! تذكّرنا بالإنسان فينا.وقد قيل أن الحمار وحده مِن بين كل الثدييات لا يبكي ولا تنزل دموعه! لكن فضيلته تظل أنه لا يقتل أخاه الحمار مهما كانت الدوافع والأسباب.. نكايةً أو جوعا!
اجمل وأروع اجهاشات با سندوة والتي أعتبرها وساما نادرا وفريدا على صدره.. هي تلك بعد عودته من الدوحة.
فبمجرد أن ذكر اسم "الدوحة" امتلأت عيناه بالدموع, واختنق صوته بعد أن تذكّر وقارن بين ما عاينه من تقدّمٍ ونظامٍ, وأمنٍ ورفاهٍ وأضواء هناك.. وما كابده ويكابده معه شعبه في اليمن من حروب, ودماء, وفوضى, وظلام.
إنها سابقةٌ جاءت عفو الخاطر, .. محسوبةٌ لأحساسٍ نبيل وشعور وطني ومسؤولية حقيقية. فما أعجب وأغرب من عرفنا ومن لم نعرف من رؤسائنا وقادتنا, وهم يرون العالم المتقدم المتمدن, ولا يتحسرون على بلادهم. أما أن يجهش أحدهم بالبكاء حسرةً على بلاده, فإنها والله لدموعٌ عزيزة كريمة نقف اجلالا لها, وإكبارا لمعناها, واحتراما لغناها ومغناها.
أما هؤلاء الذين جفّت مآقيهم, ويبست ضمائرهم, وغاضت ينابيع أرواحهم, فهم مجرّد هياكل نارية كبريتية يابسة, تشتعل بالكراهية وتنطفئ بالرماد..