ياسين التميمي
شيئا فشيئا تتضح ملامحُ الحرب الدائرة في اليمن، وتتضح أهدافها النهائية، فهذه الحرب يبدو أنها تستهدف أطرافا بعينها، ليس من بينها الحوثيون، خصوصا بعد أن أصبحت تعز المحاصرة ومقاومتها الهدف الأكثر خطورة بالنسبة للتحالف.
طيلة الحرب التي تجاوزت العام، كانت تُنفذ هجمات جوية خطيرة، أهدافها الخطوط الأمامية للمقاومة، وأحيانا معسكراتُ الجيش الوطني، هذه الهجمات كانت توصف بأنها خاطئة، وتُقيد ضد مجهول.
هذا المجهول بات سافرا اليوم، ويتبجح في تحديد أهدافه في هذه الحرب، إذ لم تعد تلك التي كنا نعرفها وهي إعادة الشرعية إلى البلاد وطرد المليشيا من المدن وتجريدها من سلاحها، بل استئصال المقاومة المحسوبة على الإصلاح والخط الوطني في الحركة السلفية، وكلاهما شكل عمادَ المقاومة وطليعتَها، وصاحب أهم الإنجازات الميدانية التي تحققت طيلة الفترة الماضية.
يسلك التحالف العربي في معركته خط "الدرونز" وهي الطائرات الأمريكية دون طيار، التي حصدت وتحصد العشرات من الأبرياء على هامش استهدافها لمشتبه بهم محتملين بالانتماء لتنظيم القاعدة، وفقا للتصنيف الأمريكي.
وهو تطور في مجرى المعركة، يدفع بالتدخل العسكري للتحالف إلى أن يصبح عملا لا أخلاقيا، بل جزءا من المعركة ضد ما تسميه أمريكا بـ"الإرهاب".
فالتعزيزات العسكرية تتجاهل أكثر الجبهات سخونة وصلة بالحسم العسكري، الذي يُفترض أنه يحقق أهداف التحالف العربي الذي جاء لتحقيقها، استنادا إلى الطلب المقدم إليه من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
هذه التعزيزات تتجه إلى المكلا وإلى أرخبيل سقطرى، اللذين لم يُسجلا فيهما أيُّ نشاط إرهابي على الإطلاق، ولا تسمحُ الطبيعةُ الجغرافية الانعزالية لهذا الأرخبيل الواقع في المحيط الهندي، بنشاط كهذا للقاعدة أو لغيرها، بالإضافة إلى وجود لواء مشاة بحري وقوات عسكرية كافية في الأرخبيل للتعامل مع أي خلية إرهابية محتملة.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية منذ أواخر التسعينيات قد أوعزت للمخلوع علي عبد الله صالح بإنشاء مطار في سقطرى، يصل طول مدرجه إلى ثلاثة آلاف متر، ليصبح أطول مدرج مقام على الأراضي اليمنية، وكان ذلك على ما يبدو جزءا من خطة تأهيل سقطرى لتصبح مركز دعم لوجستي للتحالف الدولي الموجود في خليج عدن، وقد تعزز هذا الاعتقاد بالزيارة التي قام بها وفد من مجلس الشيوخ الأمريكي برئاسة جون ماكين إلى أرخبيل سقطرى عام 2009.
الانتشار اللافت للمدرعات القادمة من الإمارات في أرخبيل سقطرى، ومثلها في حضرموت، مؤشر على أن ثمة إعادة تحديد واضحة لخارطة الأهداف، وهي أهداف أمريكية في المقام الأول، مضافٌ إليها أهداف إقليمية خطيرة جدا تتعلق بإعادة تشطير اليمن، والمضي في عملية لا أخلاقية لتجريف الحياة السياسية في اليمن، بالقتل والاعتقالات والحصار، بما يمهد لإعادة انتقاء الشركاء السياسيين الذين تتفق ملامحهم مع الطبقة السياسية المهترئة التي ورثت السلطة في مصر.
إننا بإزاء أولويات جديدة وصادمة، تجعل من التدخل العسكري للتحالف في اليمن غير أخلاقي ولا يقيم اعتبارا للمبادئ التي حكمت هذا التدخل ولا للمرجعيات الضامنة لوحدة اليمن وصيانة ترابه الوطني، وحفظ أمنه واستقراره.
خصوصا بعد أعمال التهجير القسري التي مارستها عصابات الحراك الجنوبي في عدن ضد محافظة مجاورة هي تعز، تحت غطاء مكافحة الإرهاب، بينما تشير كل الدلائل إلى أن هذه الإجراءات تأتي في سياق مخطط مدروس لانفصال الجنوب. قد تكون الإمارات قادرة على تحقيقه الآن، لكنها لن تستطيع أن تفرض حدود الدولة التي ستنفصل، ولا يمكن التنبؤ بالتداعيات المحتملة لمغامرة خطيرة كهذه.
كنا نعلم أن التحالف العربي ليس فيه دولة واحدة ديمقراطية أو أن في مخططها تطوير نظام ديمقراطي، ناهيك عن دعم نظام ديمقراطي في اليمن. ولكننا كشعب تضرر من الانقلاب، أكبرنا في التحالف العربي، تدخله الذي كان يفترض أن يعيد السلطة الشرعية إلى الوطن، ويعيد جميع اليمنيين في خط التسوية السياسية.
ومع ذلك، إذا أصر التحالف على تجريد تدخله من هذا الرداء الأخلاقي، فإن ذلك لا يعني سوى أن التحالف نفسه، بات مجرد عصى غليظة في سياق مؤامرة على شعب فقير، وهذا الشعب لن يتحمل طويلا تبعات الغدر الذي يكاد ينتهي إليه تدخل التحالف العربي أو بعض أطرافه.
ولن نتردد في إدانة توجه كهذا وفي التحريض عليه، ولن يمنح تحولٌ كهذا من قبل التحالف العربي، المخلوعَ صالح ومليشيا الحوثي نقطة تفوق واحدة في موقفهما، فهما من قوض التسوية وأول من ارتكب جريمة العدوان على الشعب اليمني ولا يزال، ولا يمكن كذلك مكافأة الانقلابيين بإعادة تنصيبهم على رأس الدولة اليمنية كما كانوا، وقد خططوا لكل هذا الخراب الذي جعل اليمن نتفا في أفواه "نسور" المرحلة، مقابل الحصول على مكافأة حقيرة جدا، وهي القيام بدور كلب الحراسة على الحدود الجنوبية للمملكة، في حين أنه لا لصوص ومجرمين يمكن الحذر منهم سوى عناصر هذه المليشيا الطائفية.
لقد خُذل اليمنيون من السلطة الشرعية، منذ أن تواطأت هذه السلطة مع مجموعة مسلحة طائفية وغضَّت الطرف عن تقدمها نحو صنعاء، وفرطت بما كان لديها من قوة ضاربة، وقادرة على حماية مشروع الدولة الوطنية.
لكن الرهان ما يزال معقودا على الكتلة الوطنية الصلبة، التي يمتلك أعضاؤها رؤية بشأن الدولة اليمنية المدنية الحديثة، وبإمكانهم أن يتجمعوا ويستجمعوا قواهم، ويقومون بتشكيل تكتل وطني واسع الطيف، ليشكل الواجهة السياسية خلال المرحلة المقبلة، على أن تكون المقاومة ذراعه العسكري، بأي إمكانية عسكرية متاحة.
*عربي21