أحمد الضحياني
في مواجهة الطائفية والمذهبية، ينشد اليمنيون المواطنة والعدالة ودولة القانون والمساواة للجميع، إذ قاوموا، خلال عقدين، فكرة تحويل الدولة لخدمة سلطات نافذة على حساب المؤسسات لخدمة الجميع، فكانت فكرة القائد الملهم والضرورة وصانع المنجزات تتوالد وتنتشر، كلما سيطرت السلطات النافذة على سلطات الدولة، لتنهي مشروع الدولة، وما تبقى منها في 21 سبتمبر/أيلول المشؤوم 2014.
أعلن اليمنيون المقاومة مبكراً في وجه الانقلاب الأسود، ومن عمران خصوصاً، حينما تآمر خدام مشروع التخادم الأميركي الإيراني على إسقاط الدولة بيد المليشيات الحوثية وقوات الحرس الجمهوري التابعة للمخلوع علي عبد الله صالح، بمساعدة اللصوص الكبار.
قاوم اليمنيون، وتحولت المقاومة الشعبية فعلا وطنيا في كل قرية وحارة ومدينة ومحافظة، ولم ينتظروا الشكر أو العرفان من أحد، فهل كانت المقاومة الشعبية خياراً وطنيا؟ بالطبع، هي كذلك، هي مرحلة تحوّل جديدة من الربيع العربي وميلاد جديد تتخلص فيه الأوطان من جماعات العنف ولصوص الدول ومافيا المخابرات اللعينة، على الرغم من الدخان الذي يشوب المرحلة.
في شأن الثورة، هناك مواجهة بين مسار التحرر ومنظومة الاستبداد والتبعية، وهناك كتلة الثورة التي تهدف لتحقيق التحرر والاستقلال وإسقاط النظام، وهناك أيضا كتلة الاستبداد والتبعية، معززة بجيش عائلي وشبكة مصالح ومنتفعين كثر.
في المقاومة الشعبية، انكشف القناع عن فصائل الثورة ومواقفها حول هدف تحقيق "التحرر وإسقاط النظام"، ولم يبق إلا الثوار الحقيقيون في وجه الاستبداد والانقلاب المدجج بقوة السلاح، فهناك المقاومة والشرعية في وجه المليشيات الانقلابية.
كتلة الانقلابيين وملشنة الدولة التي يمثلها مليشيات الحوثي وصالح وقوات الحرس الجمهوري ومن يؤيدها لا تفعل ذلك، لأنه يعبر عنها، بل لأنه يحقق مصالحها، وهي أقلية مكشوفة الغطاء محلياً وخارجياً، وتواجه المأزقين معا.
المقاومة كتلة الثورة، وتمثل جمهور المجتمع والنواة الصلبة له والحاضنة الاجتماعية التي تحمي المجتمع وتقاوم لاستعادة الدولة والشرعية.
غالباً ما يشكل السواد الأعظم من الشعب الكتلة المقهورة والمظلومة (العوام)، والتي لا تمثلها المليشيات الانقلابية، ولا تحمي مصالحها (خدمات الكهرباء، الغذاء، المشتقات النفطية....الخ)، ما يعني أن هذه الكتلة هي، غالباً، كتلة ثائرة، لكنها خاضعة للسلبية والتضليل.
هي تدريجياً، بدأت تتموقع مع ترنح الانقلاب، وتهاوي أعمدته وقوته، وعن قريب ستكون في كتلة المقاومة. هكذا تتحول صورة المجتمع حتى يظهر السواد الأعظم، ويتأكد أن منه الكتلة الثائرة ومددها الجديد.
تحقق شعبية المقاومة استعادة الدولة والشرعية في تمدد قاعدتها الشعبية أولاً، من خلال تحول السواد الأعظم (العوام) إلى صفها، وتتؤسس لها قاعدة شعبية واسعة، يخرج بعضها للفعل، أو يخرج أغلبها للتأييد.
تتأسس المقاومة الشعبية على ما تمثله المقاومة أولاً، فهي "خيار وطني في رفض الانقلاب، واستعادة الدولة والشرعية وتحقيق الأمن والاستقرار وتحرير المناطق"، كما أنها ليست الدولة حتى تمارس مهام وسلطات الدولة في المناطق والمدن المحررة، بل تعيّن السلطات الشرعية على القيام بواجبها.
إذن، تتطور شعبية المقاومة الشعبية في أوساط المجتمع، وبالتالي، تنكشف القاعدة الشعبية التي تعبر عنها، وهذا التطور داخل معارك مختلفة، سواء تلك الخاصة بمعركة الوعي أو معركة تحريك المجتمع أو معركة الحسم في مختلف الجبهات والمناطق، لهذا نرى تشكيلات ومجالس المقاومة في مختلف المناطق والمحافظات.
يواجه انتصار المقاومة الشعبية بعد تحريرها المدن والمحافظات ضعف السلطات الشرعية، وربما غيابها في أكثر المدن، ما يضع المقاومة الشعبية في مأزق، وبين خيارين: إما أن تكرس نفسها لممارسة سلطات الدولة، أو تعين السلطات الشرعية لمزاولة مهمامها دولة تحقق الأمن والاستقرار وتقديم الخدمات.
بعد عملية التحرير، يتطلب من المقاومة الشعبية، بجميع فصائلها، المساهمة الفاعلة في بناء الدولة وعودتها، والاتفاق على ميثاق شرف، يجرّم كل فعل يعيق ذلك. قد يساهم عملية دمج المقاومة الشعبية في الجيش والأمن الوطني في حل هذه المشكلة المعقدة، وما يجب التنبه إليه هو الحذر ممن يمارسون دور المقاومين الجدد الذين لاعلاقة لهم بالمقاومة وعملية التحرير، والذين كانوا في أقبية منازلهم ومخادرهم.
*نقلا عن العربي الجديد