زهير هواري
بقدر ما يبدو اليمن بعيداً، بقدر ما يبدو قريباً. القرب والبعد تعبيران نسبيان في هذه الحالة. أقرب الى الواقع من مسافات الجغرافيا التي وضعت هذا البلد في الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية. والحقيقة أن اليمن السعيد، منذ عصور لم يعد ذلك البلد السعيد الذي تحدثت عنه كتب التاريخ عندما كانت زراعته وتجارته نشطتَين بفعل السدود الحجرية والقوافل التي تحمل عطوره إلى كل سوق. تاريخه، ومنذ قرون، حفل بصراعات مركبة من كل نوع ولون. ليس كل ما شهدته جباله العصية عبارة عن نزاع بين المركزية واللامركزية، بين الجمهورية والملكية، بين القبلية والدولة الواحدة. الأمور أكثر تعقيداً من ذلك كله. ربما هناك اختلاط ، كما في كل أرض عربية أخرى، بين كل هذه الأشكال وسواها، وصولاً إلى اللحظة التي انفجر فيها القتال أخيراً قبل أشهر عدة. قبل ذلك، أخرجت الانتفاضة السلمية من المعادلة، تماماً كما حدث في سورية عندما دُفع الحراك السلمي إلى العسكرة. رُفعت شعارات الحرب على الفساد تغليفاً لحقيقة مصادرة البلاد بما فيها من طموحات وآمال، وانزياحها من جغرافيا الجزيرة نحو سلطة سلاطين الإمساك بمقاليد البحرَين الأحمر والأبيض، فضلاً عن الخليج. وكان أن انفجرت الأوضاع على النحو الكارثي الذي نشهده.
تقارير الهيئات الدولية كارثية، وهذه لا يحسّنها فتح ميناء عدن أمام سفن الإغاثة الدولية والعربية. تبدأ الحاجات من المياه ولا تتوقف عندها. وتمر بالطعام وتجهيزات المؤسسات الصحية، بما فيها شاش تضميد الجراح. أكثر من ذلك، من مجموع سكان البلد، يحتاج قرابة الثلثين إلى إمدادات غذاء وماء ودواء عاجلة. الحروب تخرّب كل شيء، مهما كانت عادلة، فكيف إذا ما كانت عبارة عن مشروع هيمنة وإلحاق تحت شعارات واهية؟
كان اليمن يوصف بأنه دولة فاشلة، لعجزه عن بناء سلطة الدولة المركزية على حساب الانقسامات القبلية والمناطقية. واليوم، باتت الدولة بحاجة إلى البناء بدءاً من نقطة الصفر تقريباً.
خلال القتال، كان الأهالي يفرّون بأبنائهم في سفن متهالكة إلى أي مكان يستطيعون الوصول إليه، بما في ذلك الصومال أرض الموت المقيم. مئات ألوف من سكان المدن غادروها بما خفّ حمله، حفاظاً على حياتهم. كيف يعاد البناء وبأي رؤية وإمكانات؟ وقبل ذلك، كيف تكون الحلول، بعدما أغرقت المغامرة بما يشبه طوفان من الدم والأنقاض والخراب؟
*أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية
/نقلا عن العربي الجديد/