د. عمّار علي حسن
يطرح ما يجري على الساحة اليمنية سؤالاً، لا أظنه جديداً، عن الأساليب والوسائل التي تمد بها إيران نفوذها في العالم العربي، إذ إن هذا الأمر لا يمكن أن نفصله عن السبب الأساسي للتدخل العربي في اليمن، كما تدل عليه تصريحات وإشارات، بل مواقف للدول المشاركة في التحالف العربي الذي يواجه الحوثيين وعلي عبدالله صالح هناك، كما لا يمكن فصله عن بؤر أخرى ملتهبة على الساحة العربية، ولاسيما في سوريا والعراق.
وهناك أربعة أبواب رئيسية تدخل معها طهران إلى الساحة العربية هي:
1- مسألة المقاومة ضد إسرائيل: فإيران التي سبق أن حصلت على سلاح من إسرائيل أثناء الحرب ضد العراق (1980- 1989) رفعت شعار مساندة حركات المقاومة ضد إسرائيل في المناطق التي تطوّقها بالأراضي المحتلة في فلسطين، وكذلك لبنان، مستغلة إهمال بعض الحكومات العربية لهذه المسألة أو انحيازها إلى مسارات السلام أو عدم ثقتها في حركات تأدلَجت في طريق «الإسلام السياسي» الذي يعادي بعض الأنظمة الحاكمة في الدول العربية.
وعلى رغم أنه لا يمكن من الناحية الواقعية لأحد أن يزعم تخلي العرب تماماً عن المقاومة، إلا أن إيران روّجت لهذا، ثم استغلت بُعدها الجغرافي عن إسرائيل في اتخاذ خطوات أكثر جرأة بتقديم هذا الدعم الذي تراكم بمرور السنين ليصنع حركات اجتماعية وطائفية أو أيديولوجية مسلحة مثل «حزب الله»، بل تجاوز هذا الأمر المذهب لتقترب إيران من حركات وجماعات سُنية، مثل: «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في الأراضي الفلسطينية.
2- نصرة المذهب: فعلى رغم أن أغلب الشيعة العرب يميلون إلى مدرسة «النجف» في وجه مدرسة «قُم» الإيرانية، فإن إهمال هذه المدرسة العربية طويلاً بفعل الإجراءات التي اتخذتها الدولة العثمانية وقت أن كانت تحتل العالم العربي ضد الشيعة العرب، وكذلك ما بثه أتباع الطريق السلفي في المجال العام من رؤى وأفكار وأحكام فقهية وتأويلات، أدى لحشرهم في الزاوية. وهنا دخلت إيران لتغازلهم، وبنت تصوراً شاملاً لكيفية توظيفهم في خدمة مصالحها وسياساتها في منطقة الشرق الأوسط. بعد أن بثت لديهم دعايات تظهر طهران، كذباً، وكأنها حريصة على مصالحهم ومعتقدهم، مع أنها تضطهد أمثالهم من الشيعة العرب في إيران نفسها.
3- تقديم النموذج الإسلامي: فما إن اندلعت الثورة الإيرانية حتى بدأت هذه المسألة تتبلور تدريجياً، ولكنها اكتملت عقب الإطاحة بحكم الشاه ووصول الخميني إلى السلطة، بعد أن استغل هو وأتباعه ثورة أطلقتها القوى المدنية خصوصاً من اليسار، إذ بدأت طهران تتحدث عن «تصدير الثورة» مستهدفة جوارها العربي.
وجاءت الاستجابة لهذا المسلك ليس من جماعات شيعية فحسب، بل جماعات وتنظيمات سنية توظف الإسلام، كما فعل الخميني، في تحصيل السلطة والثروة.
فكثيراً ما تحدث أتباع الجماعات المتأسلمة عن رغبتهم في بناء نموذج «دولة دينية سنية» على غرار الدولة الإيرانية الشيعية، وتابعتهم إيران بعناية حتى أنها وصفت الثورات والانتفاضات التي اندلعت في دول عربية بأنها «ثورات إسلامية»، وتواطأت أغلب الجماعات الدينية السنية في هذه الدول مع الوصف الإيراني، بل سعت إلى توطيد علاقتها بطهران التي عولت على هذا في مزيد من التمدد عربياً. والمثل الصارخ على هذا هو لحظة وصول «الإخوان» إلى الحكم في مصر والتي نظرت إليها إيران بأنها فرصة تاريخية لتعزيز وجودها ونفوذها في أكبر الدول العربية.
4- استغلال الفراغ والفوضى: والمثل الواضح على هذا هو ما جرى في العراق عقب الاحتلال الأميركي، وفي سوريا بعد أن تحولت الثورة إلى حرب أهلية ثم صراع إقليمي ودولي، فقد تمددت إيران واستولت على أغلب العراق، والآن تعد لاعباً أساسياً في سوريا وقد تلحقها بالعراق.
وبين هذه الأبواب الأربعة فتحت إيران العديد من النوافذ في مجال استقطاب مفكرين وكتاب وباحثين وعلماء دين سنة وشيعة، ومنح فرص لطلاب عرب للالتحاق بجامعات إيرانية، وتقديم مساعدات مالية لفعاليات دينية ولاسيما في قطاع ضيق من الصوفيين وغيرهم.
ومن هنا، فإن مواجهة التمدد الإيراني في العالم العربي لابد أن تنطلق من سد هذه الذرائع أو الأبواب وإغلاق تلك النوافذ وإلا سنظل نحرث في بحر.
جريدة الاتحاد الاماراتية