الرئيسية > اخبار وتقارير > "تشاتام هاوس": الحرب الباردة في اليمن تشتعل بين السعودية وإيران

"تشاتام هاوس": الحرب الباردة في اليمن تشتعل بين السعودية وإيران

"تشاتام هاوس": الحرب الباردة في اليمن تشتعل بين السعودية وإيران

ي ورقة بحثية أعدها المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" في لندن، رأى كاتبها "بيتر سالزبري" أن النزاع بين القوتين الإقليميتين يعقد المشاكل الحالية التي تعاني منها المنطقة، حيث يحاول كل طرف دعم عدد من المحاور المتنازع عليها، بما فيها اليمن.

ويقول الكاتب إن أسباب النزاع في اليمن "محلية"، لكن الدور الذي تلعبه القوى الخارجية يؤثر وبشكل مستمر في حسابات اللاعبين اليمنيين والقوى الإقليمية الداعمة لهم.

كما إن وصول الحوثيين لصنعاء فتح مجالا لتنظيم القاعدة والعشائر اليمنية في الجنوب للرد، كما أثار قلق السعوديين، حيث تواجه المملكة الآن خطرا على حدودها الجنوبية، وكل هذا يضيف بعدا طائفيا للنزاع السياسي الذي تشهده البلاد منذ الانتفاضة التي اندلعت عام 2011 وأجبرت علي عبدالله صالح على الخروج من السلطة.

وفي الوقت الذي تنظر فيه السعودية للحوثيين كحركة تابعة لإيران، إلا أن دعم الأخيرة لها لا يعني بالضرورة تلقي الحركة أوامر منها، كما جاء في الورقة البحثية.

ويرى الباحث "سالزبري" أن الحوثيين لن يكونوا قادرين على إدارة شؤون البلاد والتعامل مع بلد يعيش أكثر من تمرد. ويؤكد الكاتب أهمية تقديم الدعم المالي لليمن من الدول الغنية حتى لا ينهار اقتصاده. ويعتقد أن الولايات المتحدة ومعها السعودية معنيتان في الوقت الحالي ببناء علاقة عمل مع الأطراف المهمة في البلاد من دون أن تتوقع منها خدمة مصالحهما كما كان النظام السابق يفعل.

وفي هذا السياق يتحدث الكاتب عن ماهية الصراع اليمني وطبيعته، فهذا البلد الفقير الذي يقع في منطقة إستراتيجية لم يكن محلا لاهتمام الإعلام الغربي إلا عندما يتعلق الأمر بنشاط تنظيم القاعدة.

وقد تجاوز الإعلام الغربي أهم تطور شهده اليمن في المرحلة ما بين 2011 – 2015 وهو صعود حركة الحوثيين التي سيطرت على اليمن وأجبر الرئيس هادي على الاستقالة (سحبها) وتواصل معاركها لتعزيز سيطرتها على اليمن وسط تحركات جديدة من الرئيس هادي لتأكيد شرعيته.

واستطاع الحوثيون خلال عقد من الزمان تحويل أنفسهم لتنظيم عسكري ضخم، وبحسب دبلوماسيين في الرياض وواشنطن ولندن فقد تلقت الحركة دعما من طهران كجزء من محاولات الإيرانيين توسيع شبكة التأثير في المنطقة.

ويرى الكاتب أن مخاوف اللاعبين الخارجيين تذهب أبعد من سيطرة الحوثيين على صنعاء، فكل من الرياض والقاهرة تشعران بالقلق من إمكانية تأثر حركة النفط الدولية حال سيطر الحوثيون على غرب اليمن ومضيق باب المندب الذي يمر عبره 5% من النفط العالمي.

وفي الوقت نفسه تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على نظام في صنعاء تعتمد عليه لمواصلة الحرب على القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

ويقول مسؤولون غربيون ويمنيون إن علاقة إيران مع الجماعات المتمردة تذهب أبعد من الحوثيين، ويرون أن لها علاقة مع بعض قيادات الحراك الجنوبي الذين يطالبون بالانفصال عن الشمال. ومع ذلك فمن المبالغة كما يقول وصف كل من الحراك الجنوبي والحوثيين بالجماعات الوكيلة عن إيران.

ويعود هذا إلى طبيعة العلاقات التاريخية لكل من السعودية وإيران مع اليمن التي تعتبر متداخلة. ففي الوقت الذي ينظر فيه الكثير من اليمنيين للمملكة في الشمال كدولة غنية وشابة تنظر السعودية لجارتها الجنوبية باعتبارها تحديا ومشكلة نابعة من عدد سكانها وصراعاتها الداخلية التي تستدعي اهتماما وحذرا.

ويتبنى القادة السعوديون سياسة "احتواء وترميم" مع اليمن، حيث يتم تقديم الدعم لأي نظام حاكم فيه لمنع انهيار البلاد. فقد كانت وصية مؤسسة المملكة عبدالعزيز "ابقوا على اليمن ضعيفا".

وتخشى المملكة من موجات هجرة يمنية حال انهار الاقتصاد في اليمن. وفي عام 2013 قامت السلطات السعودية بملاحقة العمال اليمنيين غير الشرعيين.

وتقوم الرياض ببناء سياج طوله 1.500 على طول الحدود مع اليمن لمنع المهربين والعمال غير الشرعيين والمتطرفين. ويلحظ أن العلاقة، تاريخيا بين الشمال اليمني والسعودية، اتسمت بالبراغماتية، فقد دعمت الرياض الملكيين/ الإمامة ضد الجمهوريين الذين تلقوا دعما من مصر في الستينيات.

وبعد انهيار الإمامة واصلت السعودية دعمها للعشائر اليمنية في الشمال، وظلت تدعمها منذ الثمانينيات من القرن الماضي.

وعندما دعم الرئيس صالح العراق في غزوه للكويت، ردت السعودية بترحيل مليون عامل يمني ودعمت الحركة الانفصالية عام 1994 التي قاتلت ضد وحدة الشمال مع الجنوب. ولكن الحكومة السعودية تعايشت مع صالح فيما بعد وتصالحت معه، حيث وقعت معه معاهدة حول ترسيم الحدود بين البلدين.

وفي السنوات الأولى من القرن الجديد ركزت السعودية تعاونها مع اليمن على مكافحة تنظيم القاعدة الذي شنت عليه حربا دفعت بالكثير من قادته للهرب إلى اليمن.

مثل السعودية، فعلاقة طهران مع اليمن معقدة وإن لم توثق مثل السعودية. فقبل الثورة الإيرانية تعاون الشاه مع السعودية لدعم الإمامة. وفي الوقت نفسه حافظ على علاقة جيدة مع الإدارة البريطانية التي ظلت تدير الجنوب اليمني حتى عام 1967. وبعد ثورتي اليمن حافظ النظام في الشمال على علاقات جيدة مع السعودية والعراق وخفت علاقاته مع إيران الثورة الإسلامية. وفي المقابل تلاقت مصالح النظام في اليمن الجنوبي مع طهران لمقاومة الاستعمار الغربي.

ودعمت إيران الفصيل الماركسي أثناء الحرب الأهلية في عام 1987، وكان منصور هادي، الرئيس اليمني، في الجانب الخاسر وهذا يفسر حذره من إيران.

وقد استفادت طهران في التسعينيات من سياسات صالح التي قامت على بناء علاقات مع دول المنطقة التي تخدم مصالحه ولعب القوى الإقليمية ضد بعضها البعض.

وفي السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين ظهرت حركتا "الحراك الجنوبي" و"الحوثي"، حيث زادت مظاهر الديكتاتورية لدى صالح ولكنه حظي بدعم من السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا طالما كرس نفسه لمكافحة الإرهاب.

خرجت جماعة الحوثيين، أنصار الله، من معطف حزب الحق الذي شكل لخوض انتخابات عام 1993،وانضم حسين بدر الحوثي إلى جناح الشباب في الحزب المعروف باسم "الشباب المؤمن"، وهي حركة إحيائية ضمن المذهب الزيدي. وفي عام 1997 ترك الحوثي اليمن وسافر إلى إيران.

وعاد إلى اليمن من السودان، حيث كان يحضر الدكتوراه بعد هجمات 9/11. وبدأ يقدم خطابا أكثر تطرفا وتبنت حركة "الشباب المؤمن" "صرخة": "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، الموت لليهود، النصر للإسلام".

وحاول صالح دفع الحوثي لتخفيف خطابه ولكنه هرب مع مجموعة من أتباعه إلى جبل مران قرب صعدة وهي مركز الزيدية. وفي عام 2004 وبعد مواجهات قصيرة قُتل الحوثي. ومن هذه النقطة تطورت الحركة خلال العقد التالي، خاصة بعد أن طور قائدها عبدالملك الحوثي خطابها وانتشرت في الشمال اليمني وركز منذ عام 2011 على الثورة بدلا من الدين ودعم المتظاهرين ضد صالح.

وفي لقاءات مع قادة الجماعة، خاصة "اللجنة التنفيذية"، قالوا إن الحركة كانت حذرة في خطابها العام وركزت على التعايش إلا أن قادتها ظلوا ملتزمين بمبادئ الثورة وأفكار بدر الدين الحوثي المتأثرة بالثورة الإسلامية في إيران.

وفي الوقت الذي ركز فيه على الزيدية، إلا أن هذا لم يمنع عددا منهم من التحول للإثني عشرية المذهب المفروض في إيران وسافروا إلى هناك للدراسة.

ومع ذلك جمعت الحركة بين تقاليد الحكم في عهد الإمامة ومبادئ الحكم في إيران وخطاب حزب الله اللبناني، وقدمت الجماعة نفسها لمشايخ القبائل كتنظيم يريد التعاون.

على خلاف الحوثيين نشأ الحراك كرد فعل على حالة الإحباط التي أصابت رجال الإدارة والعسكريين في الجنوب ممن وجدوا أنفسهم من دون عمل بعد حرب 1994.

والحراك بالضرورة حركة مطلبية للعودة إلى الوظائف السابقة والحصول على التقاعد. ومثلما فعل مع الحوثيين حاول صالح قمع الحركة وسجن بعض قادتها عام 2007 ومنع التظاهرات وهو ما أدى إلى تعزيز حركة المطالب بالانفصال عن الشمال.

في عام 2014 نشرت صحيفة "الفايننشال تايمز" تقريرا تحدثت فيه عن الدعم المالي واللوجيستي الذي قدمته إيران ووكيلها الإيراني حزب الله للحوثيين. وهو رأي قالت الصحيفة إنه مدعوم بمواقف مسؤولين أمريكيين.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" في يناير2013 عن مسؤولين أمريكيين حديثهم عن مصادرة السلطات الأمنية اليمنية لشحنة أسلحة إيرانية. وبحسب "سالزبري" لا تزال مسألة الدور الإيراني وحزب الله للحوثيين غير واضحة.

وفي أحاديث الكاتب مع عدد من المسؤولين الأمنيين والدبلوماسيين أكدوا أن الدعم تركز على بناء الجماعة داخليا، وأشاروا إلى فشل الحراك الجنوبي الذي لم يستطع بناء وجود له في الجنوب بسبب محدودية الدعم الإيراني.

ويعتقد الكاتب أن الحوثيين هم مثال جيد على الدعم الخارجي الذي أسهم في بناء الحركة خلافا للحراك الجنوبي الذي فشل في تأسيس بنية متماسكة، وتقول بعض الفصائل إنه تلقى عروضا للتعاون من السعودية والإمارات وحتى من منصور هادي عندما كان في السلطة.

ومن هنا، يرى أنه من الصعب وصف الحراك بوكيل لإيران فطبيعته المتعددة تمنع من تصنيفه بهذه الطريقة.

ورغم كل هذا، فهناك تقارير في صنعاء تقول إن تلفزيون المسيرة التابع للحوثيين وعدن لايف التابع لعلي سالم البيض الذي دعم الوحدة ومن ثم انقلب عليها، يديرهما حزب الله اللبناني.

ويرفض مسؤولون في عدن لايف هذه المزاعم، لكن الكاتب يرى أن الحوثيين وبناء على روايات جمعها تشير إلى تلقي الحوثيين دعما من إيران عند دخولهم صنعاء في العام الماضي ولم يتم التأكد من هذه الأقوال مع ذلك.

ويقول ناشطون شاركوا في ثورة 2011 من الحوثيين والحراك الجنوبي والمجتمع المدني إنهم تلقوا تدريبات في بيروت حول بناء القدرات الذاتية، وهي نفس ما تقدمه المنظمات غير الحكومية الغربية.

وفي السياق نفسه، يرى الكاتب أن الدور الإيراني وأثره في صعود الحوثيين لا ينفصم عن سياسات صالح والأمريكيين، خاصة وأن الرئيس السابق متهم باستخدام بعض السلاح الأمريكي في حروبه مع الحوثيين. كما أسهمت الاستقطابات والمنافسات بين دول مجلس التعاون الخليجي، اللاعبة المهمة في اليمن، في تسهيل الاختراق الإيراني.

وهنا يشير الكاتب إلى أن الدول الخليجية وإن ركزت على إيران في نقدها للحوثيين، ولكن العلاقات الخليجية – الخليجية أثرت في مواقفها من اليمن، حيث اختلفت المسارات خاصة في طريقة تعامل كل من السعودية وقطر مع الملف اليمني.

وفي الأزمة الأخيرة لا يُعرف الموقف الذي اتخذته كل دولة في المجلس ولكن صحافيين تحدثوا عن دعم إماراتي لصالح الذي دعم بدوره الحوثيين، وإن صحت التقارير فإن الإمارات لم تكن لتدعم صالح من دون معرفة الرياض. وحتى لو حدث هذا يقول الكاتب فإن الدولتين ربما تراجعتا عن موقفهما بعد الأحداث الأخيرة.

 

/نقلا عن كلمتي/

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)