أعتقد أن بقاء الميليشيات يأتي في ظل ظروف وأحداث الماضي التي تهيمن على عقليات قوى الأحزاب ومجموعة قليلة من مناصريهم، وعقليات حوثية تعيش معهما تفند أحداث الماضي لترسمها مجدداً كلما حاول قادات الأحزاب الهروب من الماضي للحاضر وإنهاء المشروع الإرهابي الحوثي.
أخطاء الماضي هي البوتقة التي تعيشها قادات سياسية جعلتها حبيسة في متقوقعها الرافض لهذه القيادات أن تنفض غبار تلك الأخطاء وتنظر لمستقبل وحاضر اليمن وإلى صنعاء ولمنازل المشردين والنازحين وللأحرار في السجون الإرهابية الحوثية.
أو منتفعين لا يريدون العودة لصنعاء لأنهم يعيشون رغد الحياة ونعيمها مع أسرهم وأهاليهم وأقاربهم بينما ملايين من الشعب يتضورون جوعاً أنهكتهم الحياة ولا يريدون القضاء على مشروع الإمامة. فما نلحظه اليوم من انهيار للعملة بشكل مخيف وتدهور الوضع الاقتصادي المتردي الذي يفتك بحياة الناس في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً دون أي حلول جذرية تنهي الوضع المأساوي ما عدا اجتماعات لن تجدي نفعاً للمواطنين.
هذه الاجتماعات التي تعيشها قادات البلاد لم تنجح إلا في لقاء واحد عندما أصدر البنك المركزي قراراً ينهي معاناة المواطنين ويقضي على الميليشيات الحوثية، أعاد قادات البلاد القرارات إلى الأدراج وألغت القرار. بل إن هذا القرار اليوم يعود عبئاً على المواطن في الشرعية لأنه قرار لم ينفذ فضاعف المعاناة وزاد الوضع سوءاً. قادات تتحكم في رسم السياسات الخاطئة وتستعرض في الحفلات والمهرجانات التي تنتفع منها وتدر عليها مناصباً بأولئك الغلابين الذين يعانون من غياب تام لأبسط مقومات الحياة الكريمة، تجد هؤلاء يُساقون إلى محارق السياسة وشغف الموت على أيدي أسوأ بشرية تتولى إدارة اليمن منذ ولادة اليمن.
من يحكمون اليوم يتلذذون بمعاناة المواطنين والنازحين والمشردين، يتلذذون بمعاناة أسرة ذلك الجندي المجهول المرابط في الجبال الشامخة والصحاري المتشعبة والرمال المتعرجة، من بهم وجد هؤلاء السيئين؟ بل إن هناك أيادي خارجية فرضتهم على الأحرار. لكن نقول لهم إن من يتواجدون في مناطق الشرعية لم يأتوا لتذلوهم، من يتواجدون يرفضون العبودية ويرفضون التملق لكم، هم أحرار دفعوا من أجل الحرية والكرامة دمائهم، من يعيشون في تلك الخيام المهترئة من تلفح حرارة الشمس أطفالهم هم أغلى من وجدوا على هذه الأرض الطيبة، لا تظنوا أن السكوت خوف من الحوثي ووضع الحرب جعلكم تجرعُوهم الويلات، سكوتهم انشغالهم بالمعركة ويتطلعون لحياة كريمة لهم ولأسرهم والعودة إلى بيوتهم.
هؤلاء وجودهم هنا وقتالهم للميليشيات من أجل تثبيت دعائم الدولة العادلة وتأسيسها على قانون العدل والمساواة والحرية، يتطلعون إلى ديمقراطية تتيح لكل يمني أن يصبح يوماً بكفاءته وزيراً رئيساً وفق القانون، لا تظنون أن ما تفعلونه هو الصحيح في أن تبقوا على الحكم فترة طويلة تنهبون البلاد وتحكمون وتتحكمون بالعباد، كلا فمصير الحياة والأمة بكاملها مربوط بقوة الله لا باحتيالكم وكذبكم، سيأتي اليوم أو غداً كل حق يمني حر يعيش اليوم تحت رحمتكم وصنيعتكم التي أسستمُوها صنيعة الفقر والبطالة والجهل.
كلما حاول الشعب يخطو خطوة للقضاء على الميليشيات تحيكون له الدسائس والخطط وترسمون السياسات التي تنهك حياته كونكم تتحكمون برأسمالية واقتصاد البلاد. سنوات وأنتم ترفضون إنهاء الماضي يا قادات البلاد والأحزاب السياسية، يخيم عليكم كابوس الماضي وراسم السياسة السابقة التي أدت إلى تمزيق البلاد. فالحوثيون وصلوا بها بفعل شنيعتكم واختلافكم وتعلمون ذلك لكنكم ترفضون الخروج من هذا المأزق والخطأ، ترفضون الاجتماع الذي ينهي مشروع الحوثي بسبب مصالحكم الضيقة العفنة، ترفضون الشباب واختيار الكفاءات ليشاركوكم في الدولة، بل إنكم جلبتم من يؤيدون الحوثي أقرباء لكم ليكونوا في السلك الدبلوماسي ومنحتموهم مناصب تاركين الأبطال والأحرار في الخيام يحملون البندقية وشهادات الماجستير والدكتوراه ومنهم من استشهد وهو يقاتل لتبقون أنتم وأسركم.
أرى اليوم كصحفي أن استمرار وجود الميليشيات يعود إلى الظروف والأحداث التي مرت بها اليمن وقادتها السياسيين في الماضي، والتي لا تزال تؤثر على أفكار ومعتقدات قوى الأحزاب المختلفة. وهناك مجموعة صغيرة من أنصار هذه الأحزاب، بالإضافة إلى العقلية الحوثية، التي تواصل استحضار أحداث الماضي وتحليلها. وتستخدم هذه القوى التاريخ كمرجع لتبرير أفعالها، كلما حاول قادة الأحزاب الابتعاد عن تاريخهم والانتقال إلى الحاضر أو إنهاء المشروع الإرهابي للحوثيين.
أن هذه "النُتوءات" - أي بقايا الماضي - هي جزء من الأحداث التي أوصلت ميليشيا إرهابية إلى السلطة، وجعلتها تتشبث بصنعاء، التي تمثل "كنزاً" ثميناً لليمنيين. لذلك، أدعو كل يمني حر، وخاصة قادة الأحزاب، إلى تجاوز الماضي والاتفاق على أُطر واضحة تُناسب المرحلة الحالية وتُرسم لمناصريهم.