في الشارع اليمني تتردد مقولة للرئيس السوداني عمر البشير وهو يحذر اليمنيين من مهمة المبعوث الأممي الذي سيقسم البلد على غرار السودان القطر العربي الكبير ، والذي تحول الى دولتين .
يتعزز هذا التحذير مع أكثر من قابلناهم من السياسيين والأكاديميين وأبناء البلد وحتى من المراقبين الدوليين ، الذين يرون في المبعوث الأممي جمال بنعمر رجل أفقد الأمم المتحدة فاعليتها ، ووضع البلاد والعملية السياسية على كف عفريت بعد أن كان يصفها بالفريدة بالعالم .
تغيرت الصورة الإيجابية التي انطبعت في أذهان اليمنيين في الأشهر الأولى من مزاولة عمله ، حيث وصفوه برجل إطفاء الحرائق في البلد الأكثر فقراً ، قبل أن تدخل اليمن في مرحلة الاحتضار ، ويتحول رجل الإطفاء الى مساعد على الاشتعال ، كما يرى مراقبون.
بداية سنوات الرصاص
المغربي جمال بنعمر 65 عاماً ، زاول عمله الرسمي كمستشار خاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اليمن، في بداية 2011م، قاد الوساطة بين نظام علي صالح والقوى السياسية الممثلة لشباب الثورة في اليمن ، اضافة الى الوساطة بين المكونات السياسية ونظام عبدربه منصور هادي من جهة وجماعة الحوثي وحزب علي صالح من جهة أخرى .
اعتقل بنعمر بتهمة الانتماء لمجموعة "إلى الأمام" اليسارية الراديكالية، التي كان ابراهام السرفاتي، أحد اقطابها الأساسيين، خلال ماعرف بالمغرب سنوات الرصاص بتهمة التعاطف مع اليسار ومعاداة الحسن الثاني، قبل ان تستجيب السلطات هناك لضغوط المنظمات الدولية .
غادر المغرب عام 1983الى لندن، ثم انتقل بعدها إلى الولايات المتحدة حيث انضم إلى معهد الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر، الذي يهتم بتتبع ومراقبة العمليات الانتخابية في الدول التي لا تتوفر فيها سائر الضمانات، ثم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة .
تولى الدبلوماسي المغربي عدة مهام على مستوى المنظمة الدولية، حيث كلف بالملف العراقي.، كما شارك في تسوية نزاعات دولية هامة في كوسوفو والبوسنة وجنوب أفريقيا ومنطقة البحريات الكبرى، قبل أن يعلن 2011م تكليفه مبعوثا خاصا لبان كي مون باليمن .
في موقع للتواصل الإجتماعي ، ربط أحد الناشطين ، بين الحركة اليسارية والتي كان بنعمر عضوا فيها بالسبعينات ، وبين صمته عن تغول الحوثيين وحلفائهم ونسفهم للعملية للإنتقالية ، قال ان مجموعة "الى الأمام" التي نشط فيها بنعمر وأدت لنفيه من بلاده هي من جعلته يسلم البلاد "الى الإمام" هكذا علق ساخرا .
المؤتمر: بنعمر فاشل
تلقى بنعمر هجوماً متكررا وانتقادات لاذعة من عدة أطراف سياسية أبرزها حزب الرئيس السابق علي صالح ، حيث وصفه قادة بالحزب أكثر من مرة بأنه "بريمراليمن" الذي يهدف الى تمزيق البلد .
وفي اكتوبر الماضي، دشنت قيادات في حزب صالح ، الهجوم اللاذع ، على بنعمر ، مشيرة الى أنه يطلق رصاصة الرحمه على دوره الدولي في اليمن ، كما قال احمد الصوفي سكرتير الرئيس السابق.
وسخر الصوفي من اجراءات مجلس الأمن تجاه رئيس حزبه وقال " التلويح بعقوبات على اليمن أو المؤتمر الشعبي العام او قياداته يعني ان بن عمر يعلن موت التسوية السياسية"، داعيا اياه الى كف الأذى عن اليمن .
ويرى مراقبون ان القرارات التي استهدفت معرقلي العملية السياسية في اليمن والتي جددها أعاد مجلس الأمن في جلسته أمس الثلاثاء لم تكن سوى حبر على ورق ، خاصة مع استمرار تحالف صالح والحوثي ، وموقفهم الواضح الرافض لعودة الرئيس عبدربه منصور هادي للسلطة .
حيث وصف بيان نشره موقع المؤتمر نت ، الأربعاء ، وصف إعادة تمديد العقوبات بأنها تمديد لأمد الصراع الذي تشهده البلاد وتعميق للأزمة ، ضارباً بعرض الحائط كل العقوبات التي ما تزال حبرا على ورق .
ووصف الدكتور عادل الشجاع حينها في تصريح للمؤتمر نت وصف بنعمر بالفاشل ، وقال انه"يريد بذلك أن يغطي على فشله في الوقت الراهن بعد أن كان قد أعلن في تقاريره السابقة أن اليمن مرت بتجربة فريدة بالعالم، ومؤكدا نجاح مؤتمر الحوار الوطني".
وأضاف "بإمكان بنعمر وفي ظل الأوضاع التي وصلت إليه اليمن حالياً أن يقدم بعض القوى السياسية ككبش فداء ويعلق عليها اخفاقاته وفشله في المهمة التي كلف بها في اليمن".
وتستمر صحيفة اليمن اليوم ومواقع محسوبة على حزب صالح بمهاجمة بنعمر بشكل مستمر ، رغم عدم جدوى الخطوات التي اتخذها المبعوث الأممي بحق قيادة الحزب التي تتهم بتسهيل اجتياح المسلحين لمؤسسات الدولة العسكرية والمدنية .
المشترك: منحاز للحوثيين
الأمين العام للتنظيم الوحدوي الناصري ، عبدالله نعمان ، وأحد أبرز قادة تكتل اللقاء المشترك ، هاجم الأسبوع المنصرم ، جمال بنعمر واتهمه بالإنحياز للحوثي ، وقال انه موظف في الأمم المتحدة لا يهمة ما ستؤول اليه الأحوال بالبلاد .
ودعا نعمان ، بنعمر، للتعامل مع الواقع بصورة صحيحة والوقوف بحزم ونقل الصورة واضحة للمجتمع الدولي ، وأردف " بنعمر هو موظف للأمم المتحدة يريد أن يحقق ما يعتقد أنه نجح ولا يهمه بعد ذلك ما يترتب عليه من نتائج، هو الآن يريد أن ينجح في مهمته".
وتابع" لكن المهمة هذه نظرية تنتهي بتوقيع اتفاقات في حين ما هو على الواقع مغاير؛ فمراكز القوى الموجودة هي التي تفرض إرادتها، جمال بن عمر المفروض بعد هذه التجربة أن يقف بحزم وينقل الصورة واضحة للمجتمع الدولي؛ لكي يتعامل مع الواقع بصورة صحيحة.".
واتهم نعمان بنعمر بالإنحياز لأطراف في الحوار " كونه يقوم بمساعدة بعض المتحاورين على تقديم صياغات لكن هو لا يستطيع أن يفرض حلاً لا يقبله اليمنيون على الاطلاق هذه مسألة محسومة" ، وأكد أن تأييد بن عمر لخيار طرف من الأطراف لا يقدم ولا يؤخر؛ فهو في النهاية سيقول إن جزءاً من المتحاورين اتفقوا على شيء معيَّن في حين هناك أطراف رفضت أو تحفَّظت على الاتفاق.
ودعا اليمنيين إلى إدراك أن إضاعة الوقت في نقاشات غير مجدية ليس في صالح الدولة وإنما في صالح القوى التي تريد أن تفكك الدولة الهشة.
سياسيون: بنعمر يعبر عن الموقف الأمركي
يرى الكاتب الصحفي ، وفيق الشرعبي ، ان بنعمر تحول خلال الأشهر الماضية الى منحاز بشكل كامل لمن يملك القوة ، على حساب آمال اليمنيين ومستقبلهم ، مشيرا الى أنه أيضا بات معبرا عن التحالف الأمريكي الأيراني أكثر من الإجماع الدولي .
وقال الشرعبي ان بنعمر ضرب بعرض الحائط ، الأغلبية الشعبية اليمنية ، والأغلبية الدولية، الرافضة لهيمنة طرف مسلح على العملية السياسية والتهامه لمؤسسات الدولة ونسف سنين من حوار الفرقاء اليمنيين بزناد بندقيته التي يحاور بها لأكثر من عام .
المحلل السياسي ياسين التميمي ، يشير إلى أن هناك مخاوف من أن بن عمر ما يزال يؤدي الدور السيئ نفسه، وهو تمكين الحوثيين وإطلاق يدهم باليمن، تنفيذاً لإرادة أميركية وغربية، وطمعاً في مستقبل مهني أفضل داخل الأمم المتحدة، معتبرا إصراره على عدم إعلان فشل مهمته يدل على أنه مأسور لأجندته الخاصة وطموحه الخاص، وأنه "لا يكترث حقاً" لما يدور بهذا البلد.
ألكاتب البارز في حزب الإصلاح ، ناصر يحيى يرى ان بنعمر وفر الغطاء السياسي لكل ما جرى منذ دماج حتى موعد الإعلان الدستوري في بداية فبراير الجاري ، بالإضافة الى عدم تحديد من هو المتسبب بإنهيار العملية السياسية ، وهذا ما حدث بالضبط في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي.
مشيرا الى أنه لم ينبض فيه عرق غضباً للاستيلاء على العاصمة، واحتلال مؤسسات الدولة الرئيسية، وضرب اتفاقية السلم والشراكة (التي بلورها وقضى ثلاثة أيام حسوماً في صعدة لإقناع زعيم الحوثيين بها، ولم يرَ حرجاً من توقيعها في اليوم نفسه الذي كانت جيوش الحوثيين والمؤتمريين تقتحم صنعاء وتبسط سيطرتها على كل شيء!) ضاربة بكي شيء عرض الحائط وصولاً إلى محاصرة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزراء في منازلهم!
ويسخر يحيى من الإتهامات التي يوجهها بنعمر لقادة القوى السياسية من وصول البلد لحافة الهوية ، يضيف"أعترف أنني عندما سمعته يوجه الاتهامات دون استثناء خشيت أن تدخل جدتي رحمها الله في قبرها ضمن المسؤولين المشار إليهم، وأن يضع أيضاً الأندية الرياضية، وأسواق القات، وسلسلة مطاعم ومخبازة الشيباني ضمن المسؤولين عن تدهور الأوضاع".
وزار بنعمر معقل الحوثيين في صعدة ، والتقى بزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي ، فيما يرى مراقبون ان الصوت الأممي أمام القوة المسلحة الأولى بالبلاد يكون باهتاً ومداهناً ، خاصة مع صوته القوي تجاه القيادي الإصلاحي محمد قحطان ومع الناصري الذي انسحب من جلسات الحوار .
الحوثيون: بنعمر عدو
هاجم رجل الدين المنتمي لجماعة الحوثيين ، علي بن يحيى العماد، المبعوث الأممي ، جمال بن عمر واتهمه بأنه مشعل الحرائق وموقظ الفتن.
وقال العماد في مقال نشرته أسبوعية " الهوية " المقربة من الحوثيين و التي يمتلكها نجله ، منظر اليمنيين "مقزز" وهم يتقزمون حوله ، وأردف" لو كان هؤلاء وطنيون ويحبون اليمن فعلاً لما فعلوا ، وشخصياً لو كنت مكانهم لما قبلت حضور جلسة يترأسها مرسول أعداء اليمن ".
وأضاف " بن عمر لديه من الخبث أضعاف ما لدى كل القوى السياسية اليمنية المجتمعة ، ومن خبث هذا الرجل أنه نفخ في أشخاص وأعطاهم حجماً أكبر من حجمهم ،...، كما جعل من الأحزاب القزمة كـ"الناصري والحق والعدالة والبناء " والتي لم تكن شيئا ً مذكوراً فاعلا رئيسيا في عملية سياسية أكبر من هذه الأحزاب الدكاكينية ".
ووصف العماد بن عمر بأنه لعنة اليمنيين الدائمة التي سلطها عليهم أعداء اليمن ، ثم وجه نداءه لمن أسماهم " ثوار 21 سبتمبر" ، بأن ما حدث هو نصر من الله .
بنعمر: لا أمتلك عصا سحرية
غير أن بن عمر عادة ما يدافع عن نفسه من تلك الاتهامات التي توجهها أحزاب سياسية ومنظمات مدنية ، وقال في مؤتمر صحفي بداية فبراير الجاري"ليست لنا أي سلطة على اليمن، لكننا نقدم النصح وفي بعض الأحيان يتم الاستماع إلينا ويؤثر نصحنا".
كما أكد أن الموقف التقليدي للأمم المتحدة هو دعوة الأطراف لحل النزاعات عبر الحوار، واستشهد بتمكن الأمم المتحدة من التوصل إلى اتفاق السلم والشراكة، بينما كانت تدور الحرب.
وأوضح ان منظمته الدولية لا تملك أي مصالح باليمن وليس لها عصا سحرية "ليست للأمم المتحدة مصالح في اليمن.. لا شركات، ووجودنا هو في الجانب الإنساني منذ زمن بعيد، ومهمتنا السياسية تتمثل في تقريب وجهات النظر، وهذا ما نقوم به منذ عام 2011".
وأشار إلى أن "البعض يريد أن يكون ملكيا أكثر من الملك نفسه" وضمن الأمثلة، أيضا، أنه تفاجأ بقرار التشكيل الحكومي الأخير بعد مغادرته اليمن إثر سلسلة من النقاشات والحوارات بهذا الخصوص.
وقال "أنا دبلوماسي، ومهمتي الأساسية هي مساعدة الأطراف للتوصل إلى حلول للمشاكل والنزاعات، لكن ما نلاحظه هو عدم اعتراف القوى السياسية اليمنية بارتكاب الأخطاء.. هناك كلام يطرح في القاعدة (داخل الحوار) وكلام آخر يطرح خارجها"، من قبل القوى نفسها.
وخلال الأيام الماضية توقفت جلسات الحوار بين المكونات السياسية في موفمبيك ، والتي يرعاها بنعمر ، بعد عودة الرئيس هادي لمزاولة عمله بعدن ، وانفراد الحوثيين بقرارات ادارة الدولة من صنعاء .
وبين الاتهامات لجمال بنعمر ومنظمته الدولية بالانحياز لجماعة الحوثي التي استولت على السلطة،ومراعاة الأجندة الحوثية والأميركية على حساب غالبية الشعب اليمني، ونفي بنعمر الإتهامات الموجه اليه ، وتأكيداته انه يعمل لمصلحة الوفاق، يمكن القول ان مهمة المبعوث الأممي فشلت باليمن وان العصا الدولية قد انكسرت على ذراع المتمردين الجدد .