أنور العنسي إنسان عاشق، محب للحرية، محب للناس، للشجر، للمدن، وللمعرفة أيضاً. إلياذته «مرايا الأزمنة» سفر رائع ومدهش؛ فهو سيرة زاخرة بالمكابدة والدأب والصبر، وهذه معاني الإبداع كرؤية الجاحظ.
أنور مبدع في دراسته؛ فمنذ غادر قريته الجميلة (الذاري) المنطقة الأكثر خصوبة في ذمار كان التعلم وحب الحياة ومغامرة الاكتشاف جزء أساس من سيرة وحياة أنور؛ فهو سندباد عاشق يغمر الأمكنة التي زارها والأزمنة التي عاشها بوله واندهاش. يؤمن بتأنيث الأشياء شأن الصوفي الكبير ابن عربي"كل شيء لا يؤنث لا يعول عليه".
طوف ابن بطوطة العصر ثلاثة أرباع العالم في أزهي فصول العمر كتعبيره، وخرج من رحلة الأمكنة والأزمنة برائعة العمر «مرايا الأزمنة».
«مرايا الأزمنة» سفر رائع ينوس ما بين السيرة الداهشة، وبين السرد الروائي، وبين أدب الرحلات. سفره يكشف عن ذائقة رفيعة، وحب عميق حد العشق للحياة والحرية والناس. سرده الزاهي مزج إبداعي بين الشعر المنثور، والنثر المغموس بالشعر.
فتح أنور عينيه وتفتق وعيه في قريته الذاري على الزراعة؛ فأسرته فلاحية وقضاة في آن، وهي تحترف الزراعة، وتعكف على تعليم أطفالها الموروث الديني المثقل بالحلال والحرام، والحرام أكثر. أنور- منذ الصبا- كان بعيد الرؤية، نافذ البصيرة. واصل الدراسة بدأب ومثابرة. اقتات البؤس والشقاء، ولكن الدهشة وعمق الإحساس نافذتان على قراءة ما حوله وما يستجد. في ذمار أكمل الثانوية العامة. عرفت أنور من الكتاب أكثر مما عرفته في الحياة. الانطباع الأولي عندما تزاملنا في الجامعة مطلع الثمانينات كان أنور يبدو ككتاب مغلق، ورغم ابتسامته الدائمة إلا أنه أميل للعزوف. كانت الصداقة بعد التخرج وعمله في التلفزيون؛ فقد كنت كثيراً ما يتم اختياري في مناقرة الديوك أحياناً، وفي الحوارات الأدبية والثقافية في أحايين أخرى.
بسرعة مدهشة أصبح أنور نجماً تلفزيونياً مرموقاً، وبمقدرة فائقة وموهبة قل نظيرها وتمكن لا يبارى استطاع العمل في عدة قنوات كبرى، وحقق سمعة ومكانة رائعة.
عمله في أفريقيا كان هو الإنجاز الحقيقي؛ لأنه غطى أبشع الحروب وأحقرها وأخطرها، وكان متوازناً ومهنياً.
لم أكن أعرف أن أنور يدون تجربته المرموقة والزاهية، فقد كان كثيراً ما يتواصل معي عن كتاب صديقه منصور هايل «أطياف عدن »، ولم أكن أعرف أن لديه هو الآخر أطياف الدنيا.
ماكنت أعده كتابا مغلقا تكشف عن كتاب مفتوح على ثلاثة أرباع الدنيا، وزمن مفتوح على المستقبل، ومرايا الأزمنة محتاجة لقراءة أخرى.