عندما يسرد لك مواطن يمني في العقد الخامس من عمره تاريخ الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي جثم على صدر بلاده أكثر من 3 عقود، فإنه سيطلق تنهيدة كبيرة قبل أن يخبرك أن المخلوع قدر له أن يكون الرجل الأول في البلاد على أنقاض غيره بعد موجة إغتيالات طالت الرئيسين إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي.
وإذا تحدثت مع اليمنيين بكافة فئاتهم العمرية و أرادوا أن يروون لك أبرز محطات صالح فحتماً سيقصون عليك بأن طوال فترة حكمه كان (الفقر والجهل والمرض والفساد) عدوهم اليومي الذي يطاردهم حتى في أحلامهم.. وأن فترة حكمه خلفت ندبة تنزف دماً في وجه اليمن الندي، فذهب الملخوع دون أن يترك لهم ماض يتحسرون عليه أو مستقبل ينعمون بحاضره!
تقارير سوداء
في الوقت الذي تشير في تقارير أممية أن ثروة صالح تبلغ حوالي (60) مليار دولار فإن تقرير لمنظمة (اليونيسيف) يقول إن :" هناك 4.5 مليون طفل يعيشون في منازل لا يتوفر فيها مصدر مياه نظيفة، وأن أكثر من 5.5 مليون طفل لا تتوفر عندهم خدمات صرف صحي ملائمة فيما يعاني حوالي نصف الأطفال تحت سن الخامسة من سوء التغذية المزمنة".
إضافة إلى تقرير آخر لمنظمة (أوكسفام) الخيرية التي تعمل في اليمن منذ حوالي 3 عقود ذكر بأن "أكثر من 50% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر و25% من اليمنيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين (15 – 49) عاماً يعانون من سوء التغذية الحاد".
وفي اليمن الذي ارتبطت تعاسته بالرئيس المخلوع علي عبدالله صالح تزودك المنظمات العالمية بأكثر التقارير بؤساً وسوداوية على مستوى العالم دون إحراز تقدم تنموي ملحوظ على أرض الواقع في ظل إختفاء أموال الإعانات المالية من قبل الدول المانحة والصديقة في ظروف لايعرفها سوى صالح.
أزمات لاتنتهي
وإذا كانت عواصم العالم تحتفي بالتنمية والإنسان فإن صالح الذي نهب قوت شعبه طوال (33) عاماً قادته سوء إدارته للموارد الطبيعية للبلاد أيضاً لأن يميت العاصمة صنعاء عطشاً فبحسب تقارير المنظمات الدولية أن صنعاء أول عاصمة في العالم مهددة بانعدام الموارد المائية! و اليمن ضمن 10 دول مهددة بالجفاف بسبب شح المياه، بل إن التقارير تشير إلى أن محافظات يمنية مثل (تعز) على سبيل المثال لايصل إليها الماء عبر مضخات الحكومة سوى مرة واحدة في الشهر !.
ومثل هذه المعلومات التي تمس أمن وحياة المواطن اليمني تعطي دلالة واسعة أن المخلوع الذي سرق ابتسامة (اليمن السعيد) كان لايملك أي رؤية تقدمية لحل المشاكل التنموية والاقتصادية والإجتماعية.
فساد عسكري
وبعيداً عن الصحة والتعليم والتنمية بلغ الفساد مبلغه في المؤسسة العسكرية اليمنية التي حول عقيدتها المخلوع من الولاء للوطن إلى الولاء الشخصي والقبلي، بفرض أقربائه على قيادة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي وكل هذه التسميات في الأساس هي مجرد ميليشيا الهددف منها حمايته.
وطوال فترة حكمه لم يتورع عن اغتيال الشرفاء تارة أو إعتقالهم وإبعادهم عن القوات المسلحة تارة أخرى، كان آخرهم العميد حميد القشيبي قائد اللواء ( 310) مدرع الذي تم قتله بوحشية بعد صموده أمام الحوثيين في (عمران) التي سقطت عشية مقتله وتوغل بعدها الحوثيين لكافة المدن، القشيبي ضرب حينها مثالاً حياً يحتذى به للعسكري المناضل أمام شرعية وطنه ضد الإنقلابيين الحوثيين وميليشيا المخلوع، وفي الوقت نفسه لازال الغموض يكتنف مصير وزير الدفاع اليمني اللواء محمود الصبيحي الذي تم إعتقاله من قبل مرتزقة صالح والحوثيين، أثناء دفاعه عن الشرعية جنوب اليمن.
ولن ينس التاريخ اليمني أن المخلوع أدخل جيش بلاده في 6 حروب فاشلة منذ (2004- 2009) أمام الحوثيين قدرت فيها بعض المصادر الرسمية أن خسائر الجيش بلغت حوالي (4) الاف جندي وضابط، و 28 الف قتيل من المدنيين، ولم يكتشف محللون يمنيون أن جزء من طبيعة هذه الحروب التي كان يخوضها المخلوع هو بالدرجة الأولى تآمري من أجل تصفية الشرفاء في القطاع العسكري والإبقاء على المرتزقة الذين نجح في تدجينهم لصالحه!
سقوط أقنعة
لن يتذكر اليمنيون جميعاً في تاريخ صالح المليء بالثقوب السوداء سوى الأزمات التي يتفنن في اختلاقها مابين فترة وأخرى، من أجل الالتفاف على المعونات الدولية و طحن المواطن اليمني المعروف بنبله وشهامته.
ولعل من محاسن الأزمة الحالية التي يمر بها اليمن أنها أسقطت القناع الأخير عن وجه الرئيس المخلوع الذي خان شعبه وأهدر مقدراته وقدم مصلحته الشخصية على مصلحة وطنه بالتآمر مع عملاء الداخل والخارج طمعاً في العودة إلى كرسي الرئاسة، على الرغم من نفيه عن نفسه هوس السلطة.
محارب للتنمية
رئيس الوزراء اليمني الأسبق حيدر أبو بكر العطاس أكد في حوار صحفي مع الزميلة (الحياة) في أواخر يناير الماضي إن "صالح سرق أموال وثروات اليمن شمالاً وجنوباً، ودعم تنظم القاعدة الإرهابي" ووصفه بأنه "معطل لبناء البلد"، وقال: "لو كان لديه برامج لبناء الدولة لتمت"! وهذه الحقيقة الموجعة يعيشها اليمنيون بكافة تفاصيلها من (حرض) شمالاً إلى خور مكسر في عدن جنوباً.
البردوني واصفاً
الشاعر اليمني الراحل عبدالله البردوني كأنه يعيش بيننا اليوم ويصف حال المخلوع حينما قال :
سقط المكياج لاجدوى بأن
تستعير الآن وجهاً مفتعل
تقتل المقتول ، كي تحكمه
ولكي ترتاح … تشوي المعتقل
هل أسميّك بهذا ناجحا ؟
إن يكن هذا نجاحا … ما الفشل؟