الرئيسية > اخبار وتقارير > أزمة اليمن: الحرب الغريبة سوف تصبح قريبا مشكلة أوروبا

أزمة اليمن: الحرب الغريبة سوف تصبح قريبا مشكلة أوروبا

أزمة اليمن: الحرب الغريبة سوف تصبح قريبا مشكلة أوروبا

اليمن هو اختصار لأشياء كثيرة يتم التركيز عليها، ولكن الأسلحة ليست أحد هذه الأشياء. يمتلك اليمنيون ما بين 40 إلى 60 مليون قطعة سلاح طبقًا لتقرير صادر عن خبراء الأمم المتحدة والمنشور في أوائل هذا العام، ومن المفترض أن يكون هذا العدد كافيًا لشعب اليمن الذي يبلغ تعداده 26 مليون نسمة، إلا أن الخبراء لاحظوا تزايد الطلب على القنابل اليدوية التي تتكلف عادة 5 دولار، والمسدسات (150 دولارا) وبنادق كلاشينكوف 47 (150 دولارا) بنسبة ثمانية أضعاف، وبغض النظر عن أي شيء آخر، فإن الحرب في اليمن لن تنتهي بسبب أن أحد أطرافها ليس لديه ما يكفي من السلاح.

 

ومن المعلوم أن السياسة اليمنية أمر معقد وغريب، حيث تتميز بالتحالفات المتقلبة التي يتعانق فيها الأعداء السابقون، ويبذل فيها الأصدقاء القدماء قصارى جهدهم لقتل بعضهم البعض، ولكن هذا السلوك الغريب لا يعني أن الحرب القائمة في اليمن، حيث بدأ السعوديون ضرباتهم الجوية في 26 مارس، ليس لها علاقة ببقية العالم، وتعد الاضطرابات الموجودة هناك أرضا خصبة بالفعل لهذا النوع من هجمات تنظيم القاعدة مثل تلك التي وقعت في شارلي ايبدو في باريس.

 

وسوف يكون انهيار الدولة ودخولها في حالة دائمة من الحرب مسؤولًا عن إرسال موجات من المهاجرين في قوارب بحرية نحو أوروبا الغربية أو أي مكان آخر يمكنهم أن يجدوا فيه ملجأ لهم، ومن الحماقة أن يتظاهر القادة الأوروبيون بأنهم يفعلون شيئا حيال “الإرهاب” أو اللاجئين الذين يموتون غرقا في البحر المتوسط، في حين أنهم يتجاهلون الحروب التي تشكل الأسباب الجذرية لهذه الأحداث.

 

وحتى الآن، تم ترك حرب اليمن للسعوديين ودول الخليج، بالإضافة إلى محاولة أمريكية غير مجدية لوضع نهاية لها. وواقع ما يحدث بالفعل على الأرض يختلف تمامًا عن الطريقة التي يتم تقديمه بها، حيث يزعم السعوديون أنهم يدحضون استيلاء ميليشيات الحوثي الشيعية المدعومة من إيران على اليمن، ويريدون إعادة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي إلى السلطة، وفي الواقع، فإن استيلاء الحوثيون على أجزاء كثيرة في اليمن على مدار العام الماضي، أمر له علاقة ضئيلة بإيران، ولكنه ذو علاقة أكبر بتحالفهم مع عدوهم القديم، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي لازال يسيطر على قطاع كبير من الجيش اليمني، وقد مكن هذا الحوثيون، الذين تقع معاقلهم في شمال البلاد، من الاستيلاء على صنعاء بسهولة في سبتمبر الماضي، على الرغم من أن خبراء الأمم المتحدة ذكروا أن العاصمة “كان يتم حمايتها بما لا يقل عن 100000 فردا من الحرس الجمهوري وقوات الاحتياط، ومعظمهم ممن يدينون بالولاء للرئيس السابق“.

 

وتوجه الحملة الجوية السعودية هدفها بشكل أساسي إلى إلحاق أضرار بالغة بوحدات الجيش اليمني الموالية لعلي صالح، أكثر من كونها موجهة لإضعاف الحوثيين. وتتكون ميليشيات الحوثي من المقاتلين أصحاب الخبرة، وقد تشكلت مهاراتهم العسكرية وقدرتهم على الصمود أمام الهجمات الجوية ما بين عام 2004 وعام 2010، حيث شن عليهم صالح ست هجمات جوية، عندما كان في السلطة وحليفا مقربا للمملكة العربية السعودية آنذاك، إلا أنه تصالح مع الحوثيين بعد الإطاحة به من منصبه في عام 2012.

 

والهدف السعودي من الحرب هو تفتيت هذا التحالف بين الحوثيين والوحدات العسكرية التي يسيطر عليها الموالون لصالح عن طريق تدمير قواعد الجيش والأسلحة الثقيلة. ومن الصعب أن يتحمل الحوثيون المسلحون بأسلحة خفيفة الضربات الجوية دون دعم الجيش النظامي لتمتد سيطرتهم إلى محافظات جنوب صنعاء، وفي عدن، لا يقاتل الحوثيون أولئك المؤيدين لهادي فقط، بل الانفصاليين الجنوبيين الذين يريدون نقض وحدة عام 1990 أيضًا.

 

ومشكلة الاستراتيجية السعودية هي نفس المشكلة التي طالما وجدت في معظم الخطط العسكرية. حيث قال الجنرال هيلموت فون مولتكه ،رئيس أركان الجيش الألماني في القرن التاسع عشر، “لا يوجد في الحرب خطة ناجحة تعيد الاتصال بالعدو“. وقد تكرر التحذير نفسه بعد ذلك عن طريق الملاكم الأمريكي مايك تايسون الذي قال “كل أحد يظل يمتلك خطته، حتى يتلقى لكمة في الفم“.

 

ويكمن الخطر بالنسبة للمملكة العربية السعودية في كون الحروب تخلق قوة لا يمكن السيطرة عليها تنعكس على المشهد السياسي الذي يقتنع به السعوديون، وإذا لم يكن السعوديون قد تدخلوا في اليمن، فقد كان من غير المرجح أن يكون الحوثيون قادرون على السيطرة على البلاد في المدى الطويل، لأنهم معارَضون بواسطة الكثير من المناطق والأحزاب والقبائل، حيث يستعصي اليمن على أن يخضع بكامله لفصيل واحد، ولكن تم تبرير الغارات الجوية من قبل المملكة العربية السعودية لمواطنيها والعالم الإسلامي السني على أنها هجوم مضاد ضد العدوان الإيراني والشيعي، ولن يكون من السهل بالنسبة للرياض أن تتراجع عن هذه الادعاءات المبالغ فيها للوصول إلى نوع من  التسوية المطلوبة إذا ما عاد اليمن إلى السلام مرة أخرى، بالإضافة إلى أن هناك خطر آخر وهو أن تصوير الحوثيين على أنهم دُمى إيران سوف يثبت جيدًا وفاءا ذاتيًا من قبل الحوثيين لإيران إذا ما تم إجبارهم للبحث عن حلفاء في أي مكان يمكنهم العثور عليهم.

 

ويصر اليمنيون على أن مجتمعهم لم يتم تقسيمه بطريقة تقليدية على أسس طائفية بين الشيعة الزيدية ،وهم يشكلون ثلث السكان، وبين الثلثين الباقيين من الشعب اليمني من السنة. ويمكن لهذه التركيبة المجتمعية أن تتغير بسرعة شديدة إذا ما وصل الصراع في اليمن إلى مواجهة إقليمية عسكرية بين تحالف سني بقيادة المملكة العربية السعودية وتحالف شيعي تقوده إيران.

 

وكان تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أحد أهم المستفيدين من عسكرة السياسة اليمنية، لإنه يمكنه تقديم نفسه كقوة مدافعة عن المجتمع السني في حين لم يعد مقاتلوه يقعون تحت ضغط الجيش النظامي. وكما اكتشف الكثير من العراقيين والسوريين والأفغان، فإن الكراهية الطائفية بين السنة والشيعة لن تؤدي إلا إلى المجازر فقط.

 

ويحق للسعوديين ولدول الخليج أن يقلقوا بشدة بشأن اليمن لإنه يمثل العمق الاستراتيجي لهم. ولكن هناك أسباب معقولة جدا تجعل من شأن بقية العالم أن يقلق أيضًا؛ لإن اليمن قد انضم إلى العراق وسوريا وأفغانستان وليبيا والصومال كأماكن يتحكم فيها القادة العسكريون في حالة من الفوضى. وهي أماكن أصبحت الحياة فيها غير ممكنة لكثير من السكان الذين سوف يتكبدون المغامرة من أجل الهرب.

 

وهذا النوع من الكوارث الوطنية هو الذي يملأ القوارب المزدحمة بالمهاجرين اليائسين الذين يتوجهون إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وتعد هذه الكارثة الموجودة في اليمن ذات طبيعة خاصة أكثر سوءا، لإن البلاد كانت في أزمة حتى قبل أن تدخل الصراع الحالي، ووفقًا لوكالات الأمم المتحدة، فإن حالة سوء التغذية الموجودة في اليمن قاربت أن تكون نفس الحالة الموجودة في المناطق الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، كما أن نصف عدد السكان فقط يستطيع الوصول إلى مياه صالحة للشرب، وتستورد الدولة حوالي 90% من الحبوب المستخدمة في الطعام، ولكن السفن لا تصل إليها لإن موانئها محاصرة بواسطة السعوديون أو العالقون في القتال، وعلى أية حال، فإنه من الصعب نقل المواد الغذائية بسبب النقص الحاد في الوقود، كما أن نقص الكهرباء يعني أنه لا يمكن تخزين الأدوية الأساسية في المستشفيات.

 

وهذه المشكلة ليست مشكلة قصيرة الأجل، اليمن سوف يتهاوى في نهاية الأمر، ولكن ذلك قد يستغرق وقتًا أطول، مما يعني أنه سيكون هناك فراغًا في السلطة، وبالفعل سوف يستفيد تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى من هذا الأمر، ولم تمنع غارات الطائرات الأمريكية بدون طيار تنظيم القاعدة من أن يسيطر على محافظات بأكملها.

 

المواجهة بين السنة والشيعة قد اتخذت منحى جديدًا خطرًا. وقد تحمل اليمن العديد من الحروب التي تجاهلها بقية العالم، ولكن الحرب هذه المرة ربما تثبت أنه لا يمكن احتواؤها.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)