الرئيسية > اخبار وتقارير > رشاد المخلافي يروي حكاية اختطافه من قبل الحوثيين: "تمنيت الموت ومرت علي أيام التعذيب كألف عام"

رشاد المخلافي يروي حكاية اختطافه من قبل الحوثيين: "تمنيت الموت ومرت علي أيام التعذيب كألف عام"

رشاد المخلافي يروي حكاية اختطافه من قبل الحوثيين: "تمنيت الموت ومرت علي أيام التعذيب كألف عام"

ستة أيام عجاف .. كان الصغير "الحارث رشاد المخلافي "، يقبل صورة أبيه المختطف، أبنائه الآخرين "طارق وإبراهيم"، تعلقت نظراتهم صوب باب منزلهم، أملا بعودته مرة أخري .

 

كانت الأيام تمر ثقيلة على حياتهم وكما وصفها إبنه إبراهيم بقوله:" لم نصدق عودته  إلينا مرة أخرى، كانت الأيام الست كأعوام ثقيلة لا تنتهي".

 

الصدمة  الكبرى التي لم تتخيلها عقولهم الصغيرة، هي عندما شاهدوا آثار التعذيب على جسد والدهم المتهالك، يقول طارق:" عندما نادتنا أمي لرؤية أبي بغرفته بعد عودته ليلا للمنزل، فرحنا كثيراً، فلقد كنا غير مصدقين، وبكينا من الفرحة،  ولكن عندما رأيت جسد أبي  شعرت بالصدمة".

 

ثم هز رأسه بقوةٍ محاولا إخفاء دموعه ، " شعور لا اقدر وصفه"، ومسح دموعه المتوارية، بين ثنايا وجهه الحزين .

 

كان والدهم يحدثنا عن ليالي التعذيب ووجوه أبنائه شاخصة إليه، تتلون بطيف الألم، تقفز دموعهم إلى الأحداق، تفزع عالم الطفولة .

 

يضيف ابراهيم (نجل رشاد المخلافي) : "جاءنا خبر اختطاف والدي, بداية كنت غير مصدق حتى أتي صديق أبي يطمئننا  ويعدنا برجوعه، مرّت الأيام، انتظرنا وبدء القلق, والخوف يأكل قلوبنا ".

 

نظر بعمق إلينا متسائلا:" لا أقدر أن أصف من عذب أبي  بتلك الطريقة، فهم، وحوش ليسوا من البشر".

 

كان الحارث يتحسس وجه أبيه من وقت لأخر، تارة يلصق وجهه  بقوه وتارة،  يقبله بحرارة، ويحتضنه لعله يواسي وجع أبيه, و يشعره بفقده له، طيلة أيام اختطافه.

 

قاسية صور التعذيب، ولكن على جنونها ففيها تكمن بلاغة القبح المعشعش بالذات البشرية الموزعة بين الملاك والشيطان، كيف يمكن للإنسان أن يتحول إلى ذات فصامية في لحظة، ليصبح جلاد يستمتع بتعذيب أخيه ؟.

 

قصه تعذيب "رشاد المخلافي "وغيره من الشباب الثائر اختصرت حقيقة تلك النفسيات المريضة ، فقد عذبته جماعة الحوثي بجنون، وارتسمت خرائط وحشيتهم على جسده، ذنبه – بعرفهم - خروجه لأحياء ذكري ثوره فبراير، ورفضه لانقلابهم وتدميرهم للدولة والشرعية.

 

تحامل "المخلافي "على وجعه, وهو يصف لنا ما حدث له من تعذيب وامتهان لكرامته، يقول : "خرجنا كثوار لإحيا ذكرى ثورة فبراير, ورفضا للمليشيات المسلحة وإعلانهم الدستوري والانقلاب على الشرعية، لكن وفي جامعة صنعاء تم اختطافي أمام أعين الناس".

 

ويضيف:"صعدت بقوه السلاح على متن أحد أطقمهم، وقد ربطوا على عيني، أمسكوني  بقوة، مهددين بقتلي إذا تحركت شبرا بعيدا عن أيديهم القاسية"، "شعرت أنني خارج العاصمة، حيث ضللنا نسير فوق السيارة لوقت طويل، إضافة إلى وعورة الطريق التي سرنا بها، ما أكد لي أننا خارج العاصمة".

 

وأستطرد المخلافي: " أنزلوني إلى بدروم (طابق أرضي)، وجلست قرابة ساعة، مرت الأمور بشكل طبيعي حتى يوم السبت، حيث بدء التعذيب الوحشي  بعد إلقاء  تهم "العمالة والخيانة وعلاقتنا بالسفير الأمريكي وغيرها من التهم".

 

" وضعوني على طاولة حديدية، بشكل مقوس ثم قاموا بعملية الجلد المتواصل على "المؤخرة"،  بعد أن عصبوا عيني وفمي وقاموا بتكبيل أطرافي بقوة، حتى أني كنت أشعر بالاختناق إلى حد الإغماء والشعور بالموت" .

 

يأخذ نفسا عميقا ثم يستدرك بحزن : " كنت أسمع من حين لأخر أصوات المعذبين صرخاتهم وأنينهم، عرفت فيما بعد أن صالح البشري ورفاقه وآخرون، كنا في نتقاسم نفس المصير وإن اختلفت الأقدار".

 

يحرك رأسه بأسي، ويضيف: "رأيت  "البشري" جثة هامدة عندما قاموا بإخراجنا ورمينا في أحد شوارع العاصمة"، "تصدقي .. رغم معرفتي بكل شبر في الأحياء ،إلا أنني عندما رموني  بتلك الحالة قريبا من شارع الرباط والذي أعرفه  جيدا إلا أني لم أعرف أين أنا من شده الألم !.

 

يضيف: "عدت إلى منزلي طرقت الباب لتفتح زوجتي، احتضنتني بشدة ثم قادتني إلى الغرفة، فرميت جسدي المتعب على الفراش, ولم أذق طعم النوم يومها حتى جاء صديقي لإسعافي" .

 

تسبق الدموع حديث زوجته وهي تصف لنا لحظة رجوعه للمنزل بتلك الحالة البائسة : "سمعت طرقا خفيفا على الباب، فتسارعت نبضات قلبي بشدة،  شعرت أنه رشاد، فقفزت مسرعة, لأفتح الباب وعندما رأيته احتضنته بقوه وبكيت، وبمجرد لمسي له تأوه بشدة، قدته إلى الغرفة، ورأيت آثار العذاب، صعقت  حينها ، وتوقف تفكيري فكنت دموعي فقط هي من تتكلم ".

 

واصلت شهقاتها الحزينة وقالت:" هو أبي وأمي وكل مالي في الحياة، فأنا يتيمة ليس لي أحد بعد الله سواه"، وصمتت باكية.

 

كشف رشاد المخلافي عن بعض آثار تعذيبه، وأشار إلى صدره الذي تكسر أحد  أضلاعه، حاول شرح الأوجاع التي تمزقه، ولكنه عجز عن ذلك لشده الألم.

 

يقول: " عندما كان يأتي الصباح كنت أفتقد أولادي وخاصة، الحارث، أتذكره وأبكي بشدة مثل الطفل، لم أرى النور في تلك الأيام, مرت علي كألف عام ، كنت أخاف أن يأتي يوم جديد ليفتح الزنزانة، ويبدأ مسلسل التعذيب، حتى أنني قلت لهم يوما  لماذا ؟ تعذبوني؟ هي رصاصه هنا - مشيرا إلى رقبته- وخلصوني من هذا العذاب !".

 

هز رأسه بأسيً ، وقال شعرت بتلذذهم بتعذيبي وموتي يوميا أمامهم، تمنيت الموت كل دقيقه خلاصا مما كنت فيه".

 

 أوضح" المخلافي" أنه عند   قيام  مليشيات الحوثي بالإفراج عنه ، ذهب للمستشفى وطلب" تقرير طبي  يوضح التعذيب الذي تعرض له، فطلبوا منه، بلاغ عن حادثه الاختطاف من أحد الأقسام، ولكن  قسم الحميري وأقسام أخري رفضت  تقيد البلاغ ضد (جماعه الحوثي).

 

وأردف قائلاً: "لثلاثة أيام وأنا أتابع لإصدار بلاغ ولكن لا مجيب".

 

وعن الأضرار الجسدية التي نتجت عن التعذيب يقول :" أصبت بكسر في أحد أضلع صدري، وأضرار كبيرة في المؤخرة، لا أستطيع معها المشي أو التحرك، أما الأضرار النفسية فلا أمتلك وصف شعوري".

 

مؤكدا في نهاية حديثه استمراره  بالخروج  والتظاهر ضد الانقلاب والمليشيات المسلحة ، والإصرار على عوده الوطن المختطف.

 

مضيفا :"إن ممارسات الحوثيين البشعة كشفت الوجه الحقيقي للمستقبل الذي يبشرون به اليمنيين".

 

يتحول الإنسان بالسجون الحوثية  إلى رمز للا قيمة والخيانة، يستباح فيها جسده و كيانه الكلي بلا حدود، لاستباحة الداخل الإنساني للمعتقل وإلحاق آثار نفسية وثقافية عميقة في هذا الداخل، فتصبح صورة المعتقل لنفسه على شكل الذبيحة التي تستفرد بها سكين الجزار و تحقرها أبشع تحقير و تجردها من صفاتها الإنسانية .

 

"رشاد المخلافي" قصة اختطاف وتعذيب، ربما انتهت بقدر مختلف عن ما حصل "للبشري" من تعذيب وقتل، ما تقوم به مليشيات الحوثي من استخدام  وسائل التعذيب والإذلال الوحشية، هو انتهاك صارخ لمعاني الإنسانية فينا .

 

  ولكن صمود الشباب الثائر الذي يعي أن ثورته ثورة وجودية تحيي قيمة الإنسان,  أمام التاريخ وأمام شعب صنع تاريخه، بعرق دمه وهو ماضٍ إلى يوم يعجن لحظاته بإرادته، و بآلامه الكثيرة ليصنع الحياة من جديد.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)