أرجع تحقيق أجراه جيش الاحتلال الإسرائيلي معظم حالات الانتحار في صفوف جنوده إلى الظروف القتالية ومواجهة صعوبات ناجمة عن البقاء لفترات طويلة في مناطق القتال، والتعرّض خلالها لمشاهد "قاسية"، خلال الحرب المتواصلة على قطاع غزة. النتائج التي توصل إليها تحقيق الجيش ونشرتها هيئة البث الرسمية الإسرائيلية ("كان- ريشت بِت")، اليوم الأحد، ليست جديدة؛ إذ كشفت وسائل إعلام عبرية منها "هآرتس"، و"يديعوت أحرونوت" مؤخراً عن أعداد المنتحرين وأسباب الانتحار مستندة إلى بيانات رسمية وطبية، وشهادات عائلات المنتحرين ورفاقهم.
لكن الأمر اللافت هو الإقرار بهذه النتائج من جانب الجيش وتوقيت نشرها الذي تزامن مع ادعاءات حول تصاعد الخلافات بين القيادة العسكرية ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بشأن طريقة إدارة الحرب المستمرة على غزة، والتعامل مع ملف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس؛ إذ يرفض نتنياهو طلب الجيش عقد جلسة للكابينت لمناقشة مستقبل الحرب.
ففي السابق، كان الجيش يعزو الارتفاع في أعداد الجنود المنتحرين إلى "الزيادة الواضحة في عدد الذين يخدمون"، خصوصاً في منظومة الاحتياط. وطبقاً لما نقله صحيفة "هآرتس" عن مصادر في الجيش الشهر الماضي، فإن التدقيق في الحالات يُظهر أنه منذ بداية الحرب انخفضت نسبة المنتحرين لأسباب شخصية لا علاقة لها بالحرب. ما يعني، وفقاً للمصادر ذاتها، أن معظم المنتحرين قد انكشفوا على مشاهد قاسية أثرت عليهم نفسياً ودفعتهم إلى الإقدام على الانتحار.
وعزت نتائج التحقيق التي كشفتها "كان- ريشت بيت" حالات الانتحار إلى المشاهد الصعبة التي تعرّض لها الجنود، وفقدان رفاقهم الذين سقطوا قتلى أمامهم، وعدم القدرة على احتواء الأحداث. فيما يواصل الجيش فحص كل حالة انتحار والرسائل التي تركها الجنود ومحادثاتهم مع أقربائهم ورفاقهم قبل إقدامهم على وضع حدٍّ لحيواتهم.
وفي السياق، نقلت هيئة البث عن مسؤول عسكري كبير قوله إن "معظم حالات الانتحار ناتجة عن ظروف معقدة أعقبت الحرب. للحرب عواقب نفسية وخيمة، ونحن نواجه تحديات كبيرة في هذا المجال". وأوضح أن "الجيش يعمل على استخلاص دروس ممنهجة، وتكثيف الدعم النفسي من خلال تدريب القادة على رصد علامات الأزمة النفسية، وزيادة عدد ضباط الصحة النفسية والممرضين الميدانيين، حيث أضيفت إلى الطواقم 200 ممرض للمجندين النظاميين، و600 لقوات الاحتياط".
وبحسب المسؤول العسكري فإن "ضابطاً برتبة مقدم يفحص كل حالة انتحار ويدرسها، بالتوازي مع الاستعدادات قبل القتال وبعده. وفي الوقت نفسه، وبمعزل عن ذلك، تحقق الشرطة العسكرية من جهتها في كل حالات الانتحار".
وفي وقت سابق الشهر الماضي، لفتت صحيفة "هآرتس" إلى أن الجيش يرفض الكشف عن عدد الجنود المنتحرين منذ بداية العام الجاري، منتظراً انقضاء العام لكشف العدد، ومع ذلك أوضحت الصحيفة أن معطيات الجيش لا تتضمن الجنود الذين وضعوا حدّاً لحيواتهم بينما كانوا خارج الخدمة الفعلية.
وطبقاً للمعطيات التي تتبعتها الصحيفة فقد انتحر ما لا يقل عن 17 جندياً في الخدمة الفعلية منذ بداية العام، بينهم ستة الشهر الماضي. وأنه منذ بداية الحرب وضع 12 جندياً لم يكونوا في الخدمة الفعلية حدّاً لحيواتهم، على خلفية صعوبات نفسية ناجمة عن مشاركة جزء منهم في الحرب على غزة، والجزء الآخر لمعاناتهم من اضطراب ما بعد الصدمة الناجم عن مشاركتهم في حروب ومعارك سابقة.
وفي حين لا تتابع أيّة جهة رسمية إسرائيلية هذه الحالات، بحسب الصحيفة، تلفت الأخيرة إلى أن منظمات صحية تُعنى بعلاج حالات الجنود المصابين بأمراض نفسية تؤكد أن حالات الانتحار في صفوف الجنود الذين هم ليسوا في الخدمة الفعلية أعلى من الأرقام المكشوفة بكثير، خصوصاً أن غالبية هذه الحالات تبقى في الظلال.
إحصائيات عن انتحار الجنود الإسرائيليين منذ 2021
إلى ذلك، انتحر في عام 2024 ،21 جندياً، منهم 12 جندياً في الاحتياط. وفي عام 2023، انتحر 17 جندياً، وفي عام 2022، انتحر 14 جندياً، وفي عام 2021، انتحر 11 جندياً. بيانات دفعت جيش الاحتلال إلى التعبير عن قلقه منها؛ إذ قال مسؤول عسكري كبير: "نقيّم ونستعد لاحتمال اتساع ظاهرة الانتحار بين الجنود النظاميين والاحتياطين، ونبذل جهوداً في جميع المجالات لوقف هذه الظاهرة؛ حيث يشعر الجيش بالقلق إزاء الواقع المقلق المتمثل في زيادة عدد الجنود الذين انتحروا في العامين الماضيين مقارنة بالسنوات السابقة".
نقلا عن العربي الجديد