الرئيسية > حقوق وحريات > موجة اعتقالات حوثية بالتزامن مع ذكرى ثورة 26 سبتمبر

موجة اعتقالات حوثية بالتزامن مع ذكرى ثورة 26 سبتمبر

باشر فرع جهاز الأمن والمخابرات التابع لجماعة الحوثيين منذ مطلع سبتمبر/أيلول الحالي حملة اعتقالات، طاولت العشرات من أبناء محافظة إب وسط البلاد، بسبب استعداداتهم لإحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962. وثورة 26 سبتمبر قامت في شمال اليمن عام 1962 ضد المملكة المتوكلية اليمنية، حين تم إعلان قيام الجمهورية العربية اليمنية بدلاً عنها، وأعقبتها حرب أهلية بين الموالين للمملكة المتوكلية المدعومين من السعودية (الملكيين) والموالين للثورة وللجمهوريّة المدعومين من مصر (الجمهوريين) واستمرت الحرب ثماني سنوات (1962 ــ 1970).

وتركزت معظم عمليات الخطف في مديرية السدة (من مديريات إب)، معقل قائد ثورة 26 سبتمبر علي عبد المغني. وتحدثت مصادر حقوقية، لـ"العربي الجديد"، أن الحوثيين بقيادة مدير أمن مديرية السدة العقيد علي الوشلي اعتقلوا ما لا يقل عن 20 شاباً في المديرية بتهمة الإعداد للاحتفال بذكرى الثورة. وأوضحت المصادر أن "حملة الاعتقالات الحوثية شملت عشرات الناشطين داخل مدينة إب أيضاً، بينهم النشطاء محمد الكثيري، وعبد الحكيم العفيري، ومصطفى حاتم، ورداد سعيد قاسم". وأشارت إلى أن "أقسام الشرطة التابعة إلى الحوثيين أرغمت بعض المعتقلين على التوقيع على تعهدات خطية بعدم المشاركة أو الإعداد لأي احتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر". وأضافت المصادر أن "الأجهزة الأمنية التابعة للحوثيين اجتمعت بمدراء المدارس في إب وحذرتهم من إقامة أية احتفالات بذكرى سبتمبر، وفرضت عليهم المشاركة في فعالية المولد النبوي وذكرى الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر".

وانتهج الحوثيون منذ سنوات سياسة قمع المحتفلين بذكرى ثورة 26 سبتمبر فقد شنوا في العام الماضي حملة اعتقالات مماثلة في عدد من المحافظات، أبرزها العاصمة صنعاء ومحافظة إب، حيث بلغ عدد المعتقلين حينها أكثر من 1200 معتقل. ومنذ انقلاب الحوثيين على الدولة في 21 سبتمبر 2014 تزايد حجم الاحتفالات الشعبية في ذكرى ثورة 26 سبتمبر تعبيرا عن رفض الانقلاب الحوثي، خصوصاً في مطلع كل شهر سبتمبر في المدارس، فضلاً عن تنظيم احتفالات شعبية، مع إيقاد الشُعَل ليل 26 سبتمبر على رؤوس الجبال وفوق أسطح المنازل وفوق القلاع التاريخية في المدن وفي الميادين والساحات العامة.

كما لجأ اليمنيون، خصوصاً في مناطق سيطرة الحوثيين أو الذين اضطروا للسفر خارج البلاد، إلى وسائل التواصل الاجتماعي للاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر خصوصاً عبر نشر مقالات وصور خاصة عن الثورة، وأغان وأناشيد وطنية، ومنشورات للتذكير بمساوئ الانقلاب الحوثي على الدولة وعلى النظام الجمهوري. وتعددت مظاهر الاحتفال الإلكتروني من خلال ابتداع طرق احتفالية، كما هو الحال مع الصحافي عمر النهمي المقيم في تركيا، الذي ابتدع طريقة احتفالية لاقت انتشاراً واسعاً من خلال تسجيل بيان الثورة في مقطع فيديو صغير، فتحولت الفكرة إلى "ترند"، قام بتطبيقه الرجال والنساء والأطفال على حد سواء.

وحول ذلك قال النهمي لـ"العربي الجديد": "نحن ممن شردنا الانقلاب الحوثي والحرب الناتجة منه خارج اليمن، ولذا أدركنا قيمة ثورة 26 سبتمبر، وأدركنا أن من واجبنا الاحتفال بها والتمسك بأهدافها، ولذا نحاول أن نحيي ذكراها في إطار الوسائل المتاحة والممكنة، لتظل هذه الذكرى حية في صدور الناس وعقولهم، ووجدنا في وسائل التواصل متنفساً لنا لنعبر عن مشاعرنا نحو ثورة سبتمبر، ولذا قمت بنشر مقطع فيديو لقراءة بيان الثورة، وتحول ذلك إلى ترند تفاعل معه اليمنيون". وأضاف النهمي أن "ثورة سبتمبر تواجه اليوم تحدياً حقيقياً يتمثل بالانقلاب الحوثي على الدولة وعلى النظام الجمهوري، ومعروف أن الحركة الحوثية هي امتداد للنظام الإمامي الكهنوتي الذي قضت عليه الثورة، ولذا يسعى الحوثيون لطمس الثورة من وجدان اليمنيين عبر محاربة المحتفلين بذكراها، وطمسها من المناهج الدراسية، والصحف الرسمية، ووسائل الإعلام، وطمس كل ما يرتبط بها، وهذا يجعلنا أمام تحدٍ حقيقي للتمسك بالثورة وأهدافها والنظام الجمهوري الذي يعد أعظم مكاسبها".

سمير مريط، من أبناء محافظة مأرب، هو الآخر قرر إبقاء ذكرى ثورة 26 سبتمبر خالدة وحية في وجدان اليمنيين، وقام بتجميع وأرشفة ونشر الأغاني التي غناها المطربون العرب من مصر وسورية ولبنان للثورة، المغيبة عن الناس، وقام بتجميع عشرات الأغاني ونشرها على صفحته على منصة فيسبوك. أغانٍ متنوعة لفايدة كامل، وعبد الحليم حافظ، ومحمد قنديل، ونجاح سلام، والشيخ إمام، وإبراهيم حمودة، ومحرم فؤاد، ومحمد رشدي، ونجاة الصغيرة، وكارم محمود، ومحمد فوزي، ومارسيل خليفة، وماهر العطار، وشفيق جلال، وفؤاد غازي، ورويدا عدنان، وغيرهم...

وقال مريط، لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ ثماني سنوات وأنا أجمع كل ما له علاقة بثورة 26 سبتمبر ولا يوجد يمني تأذى من الحوثي إلا ويشعر بقدر هذه الثورة العظيمة. وشعرنا كم كنا جاحدين وجاهلين للكثير من حيثياتها وأحداثها وأبطالها وكل ما يتعلق بها، وناكرين لمعروف ثورة سبتمبر ورجالها. فمن باب ذلك الإنسان الذي يعود إلى نفسه ويراجعها، جمعت وقرأت الكثير من الكتب، وشاهدت الكثير من الفيديوهات التي أقوم بتجميعها وأحاول أن أنتجها بشكل أفضل. وهناك عدد من الأغاني الوطنية غير المسموعة وغير المعروفة، والتي لم تعرض في القنوات الفضائية اليمنية خلال 40 سنة على أقل تقدير، وأنا أحاول أن أنشر ما هو غير معروف، أما الأغاني الموثقة والمشهورة فالكل يتداولها".

وأضاف مريط أن "ثورة 26 سبتمبر تعني لي الهوة في جدار الزمن، وقد نقلت اليمنيين من القرون الوسطى إلى العصر الحديث". ورأى أن "الحوثيين لا يهدفون فقط لطمس ذكرى ثورة 26 سبتمبر بل يريدون طمس قيمها، التي ترسخت في المجتمع اليمني، وللأسف هناك من يجحد بما فعلته الثورة، فثقافتنا وحديثنا ومفرداتنا وحياتنا وسلوكنا وعلاقاتنا أوجدتها ثورة سبتمبر، وهذه تركة ثقيلة يحاول الحوثي التخلص منها، ويواجه صعوبة في ذلك". وتابع مريط أنه "يجب أن نواجه هذه السياسة بالتمسك أكثر بقيم ومبادئ ومنجزات ثورة 26 سبتمبر، ونعرف ما نملك كي لا نخسره، ويجب أن نتمسك بقيم العدل والمساواة، والديمقراطية، والتعددية، والحرص على التعليم، والتنشئة الاجتماعية السليمة، وكل ما له علاقة بثورة 26 سبتمبر".

في مقابل حفاوة الاحتفال الشعبي بذكرى الثورة، جاء الاحتفال الرسمي خجولاً، إذ انحصر الاحتفال في محافظتي تعز ومأرب، في حين عجزت الحكومة الشرعية عن الاحتفال الرسمي في العاصمة المؤقتة عدن نتيجة سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بالانفصال عليها. وحظر المجلس الانتقالي الجنوبي في مناطق سيطرته الاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر باعتبارها ثورة متعلقة بالشطر الشمالي من اليمن، كما حظر رفع الأعلام الوطنية والتي استبدلها بعلم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، رافضاً الوحدة بين الشطرين التي تمت في 22 مايو/أيار 1990.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)