تغزو المبيدات المحظورة في اليمن الأسواق المحلية في ظل تعطيل بعض الدوائر والأجهزة المختصة بتنظيم تجارة المبيدات، وسط تدخل قيادات ومسؤولين نافذين في صنعاء أدى إلى استحداث إدارة عامة مخالفة للقانون اليمني يديرها تجار المبيدات أنفسهم خارج الرقابة الحكومية.
وفي الوقت الذي تغرق فيه الأسواق المحلية في اليمن بالمبيدات، منها المحظورة التي يمنع القانون اليمني تداولها لأضرارها البالغة على صحة الإنسان وتدمير التربة والأراضي الزراعية، يواجه الكثير من المزارعين تحديات بالغة في توفير احتياجاتهم من المستلزمات الزراعية لارتفاع تكاليفها أكثر من خمسة أضعاف خلال سنوات الحرب الماضية.
يحصي "العربي الجديد"، تداول أكثر من 200 نوع من المبيدات المحظورة في اليمن التي تغرق بالأصناف المهربة والمحظورة التي تشكل النسبة الكبرى من أنواع المبيدات المتداولة، في حين تكشف وثائق مسربة اطلع عليها "العربي الجديد"، عن استيراد نحو 14 مليون لتر من المبيدات خلال العام الماضي، تركز معظمها في مناطق نفوذ الحوثيين.
مصادر زراعية مسؤولة، فضلت عدم الكشف عن هويتها، أكدت لـ"العربي الجديد"، أن هناك نافذين يستخدمون سلطاتهم لخدمة مجموعة من تجار المبيدات والأسمدة سواء في تشكيل غطاء لهم لتهريب وإدخال كثير من الأصناف والأنواع التي يعتبر بعضها محظوراً ليس محلياً فقط بل دولياً، أو في إجبار الجهات المعنية على التساهل في إجازة توريدها وإدخالها من المنافذ الجمركية.
في حين تشير جهات زراعية معنية إلى تداول حوالي 170 نوعاً من المبيدات وفق القائمة المسموح بها من قبل اللجان والهيئات المختصة. الأنواع المسموح بها من المبيدات بحسب مختصين زراعين هي التي تتكون من مادتين رئيسيتين أهمهما "الأسمدة المركبة" والتي تتكون من ثلاثة عناصر هي "الفوسفور والبوتاسيوم والنيتروجين"، وهناك أيضاً ما يسمى "بالأسمدة الأساس" مثل اليوريا والكثير من العناصر الكيميائية المتخصصة حسب الغرض ونوع التربة.
الباحث الزراعي نايف حمران، يوضح لـ"العربي الجديد"، أن التوسع الحاصل في زراعة القات واستقطاعه لمساحة واسعة من الأراضي على حساب المحاصيل الزراعية الأخرى ساهم بشكل كبير في إغراق الأسواق المحلية بعشرات الأصناف والأنواع من المبيدات التي يتم استخدامها في زراعة "القات"، مشيراً إلى استخدام أكثر من 30 نوعاً من المبيدات في رش أشجار نبتة "القات" لتسريع إنضاجها ونموها وتكاثرها وتحسين جودتها بحسب اعتقاد الكثير من مزارعي "القات".
ويشير حمران إلى أن مشكلة التهريب في توسع وانتشار أصناف متعددة من المبيدات المحظورة في اليمن بموجب القانون اليمني مع تكون شبكة من التجار والمسؤولين النافذين يشرفون على توريدها وتهريبها وتداولها في الأسواق. الباحث الاقتصادي رشيد الحداد، يتحدث لـ"العربي الجديد"، عن بروز شبكات تنشط في الساحل الغربي لليمن ساهمت بشكل كبير في انتشار مختلف أنواع المبيدات المحظورة في اليمن التي يعتبر معظمها مجهول المصدر، مشيراً إلى بعض الأنواع الإسرائيلية التي يتم إدخالها عبر أرياف منطقة "العقبة" في الأردن حيث يتم تداولها وبيعها بعيداً عن أعين الرقابة.
يرجع الخبير الجيولوجي والاستشاري في الموارد الطبيعية، عبد الغني جغمان، لـ"العربي الجديد"، سبب توسع وانتشار المبيدات المحظورة في اليمن وتهريبها بشكل كبير ومستمر إلى الصراع المحلي في اليمن، إضافة إلى عدم تطبيق أي معايير من الرقابة والإشراف على استيرادها أو حتى استخدامها.
من جانبها، أكدت وزارة الزراعة والري والثروة السمكية التابعة للحوثي في صنعاء، أنها تابعت ما أُثير حول دخول شحنة مبيدات مسرطنة، تضمنت، كما قالت، الكثير من المعلومات الخاطئة وغير العلمية حول طبيعة تلك الشحنة واستخداماتها، فيما الوثيقة التي نُشرت مرتبطة بتأخير معاملات التجار وصادرة عن جهة غير مختصة في تصنيف المواد، ونفت الوزارة إدخال أي شحنات مبيدات مستوردة من إسرائيل، وأنها لن تسمح بذلك على الإطلاق، بينما تحدثت مصادر مطلعة أنه تم التحفظ على الشحنة لاستخدامها تحت الإشراف المباشر من قبل الجهات المختصة.
وكشفت وثائق مسربة، اطلع عليها "العربي الجديد"، عن تدخل قيادات نافذة وتوجيهها للجهات المعنية الموافقة على مرور شحنة مبيدات كانت محتجزة في أحد المنافذ الجمركية لكونها تحتوي على أصناف محظورة ليس فقط محلياً بل دولياً مثل مبيد "بروميد الميثيل"، وهذا المبيد عبارة عن مركب كيميائي غازي شديد السمية، كان يستخدم في إطفاء الحرائق خصوصاً حرائق محركات الطائرات، وتم حظره كمبيد زراعي منذ العام 2005، ومنع تداوله عالمياً.
بحسب خبراء ومختصين فإن لهذا المبيد أضرارا بالغة لا تقتصر على الجانب الصحي فقط، إذ يؤثر استخدامه بشكل كبير على التربة التي تصبح بحاجة لمعالجة من أضراره، وقد يصل الأمر إلى أن تصبح غير صالحة للزراعة.
بدوره، يشرح المستشار القانوني اليمني خالد عدنان، لـ"العربي الجديد"، أن القانون اليمني يحظر على أي شخص مزاولة أي عملية من عمليات تداول المبيدات ما لم يكن حاصلاً على ترخيص مسبق من الجهة المختصة، لذا فإن المشكلة وهذه الأزمة المتفجرة حالياً بدأت من تعطيل الأجهزة الحكومية المتخصصة، والإخلال بالقوانين النافذة التي تنظم توريد المبيدات بحسب الاحتياج الزراعي لها.