الرئيسية > اخبار وتقارير > الخليج: جغرافية اليمن نعمة تحولت إلى نقمة وباب المندب الهدف الإيراني القادم

الخليج: جغرافية اليمن نعمة تحولت إلى نقمة وباب المندب الهدف الإيراني القادم

الخليج: جغرافية اليمن نعمة تحولت إلى نقمة وباب المندب الهدف الإيراني القادم

معرفة جغرافية اليمن جيداً، تعني فهم كل ما يجري فيه من تطورات سياسية واقتصادية وأمنية، ليس فقط من زاوية موقعها الإقليمي والدولي، بل أيضاً من زاوية تنوع جغرافيتها داخلياً، وتأثير ذلك في واقعها السياسي والاقتصادي والأمني، ولطالما لعب هذا الأمر داخلياً دوراً حاسماً في تغليب سيطرة جهوية لفئة ما على حساب الآخرين، وبالطبع ذلك، ليس بمعزل عن عوامل أخرى مثل الديني والتاريخي والثقافي .
من زاوية موقعها الإقليمي والدولي، فإن الوقائع التاريخية تثبت أهمية جغرافية اليمن بالنسبة لدول الإقليم والعالم، فقد كانت مطمعاً للدول الاستعمارية ومحاولاتها للسيطرة على اليمن أو أجزاء منها بغرض فرض هيمنتها وتطويعها لخدمة مصالحها الاقتصادية دائماً، وهو الأمر المستمر حتى الآن، ولكن بذرائع ووسائل أخرى، بعيداً عن الاستعمار المباشر واحتلال الأرض وفرض سلطاتها عليها .


تقع اليمن في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، أي في جنوب غرب آسيا، وتشرف على مضيق باب المندب، الذي يربط البحر العربي بالبحر الأحمر، وما يضاعف أهمية موقعها، انتشار جزرها في مياهها الإقليمية على امتداد بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، يحدها من الشمال المملكة العربية السعودية، ومن الجنوب خليج عدن وبحر العرب، ومن الشرق عمان، ومن الغرب البحر الأحمر . 
يرى بعض المحللين أن اليمن بوضعها الحالي من كافة النواحي سياسياً واقتصادياً وأمنياً ودينياً وثقافياً، وتوزع أزماته جغرافياً وموضوعياً، تمثل أنموذجاً مثالياً يلخص مجمل أزمات الإقليم والوطن العربي والمحيط الإسلامي؛ فقد انطلقت فيها خلال السنوات الثلاث الاخيرة فوضى متعددة الأوجه، ما زالت مستمرة حتى اليوم، ولا مؤشرات على نهاياتها، وان لم تصل تلك الفوضى العامة حد الانهيار الكلي للبلد، إلا أن هذا الأمر غير مستبعد . 
بكل تأكيد ينطلق الاهتمام الإقليمي والدولي من اهمية الموقع الجغرافي لليمن، وامتدادات تأثيرها في دول الإقليم والعالم أيضاً، وهذا الأمر لطالما أكدته مواقف تلك الدول ووثائقها بالاستناد إلى التطورات الحاصلة فيها انطلاقاً من قراءة تاريخية بعمق اقتصادي وأمني، ولعل اهتمام مجلس الأمن الدولي بالشأن اليمني منذ 2011 يدل على ذلك، وهو الشأن الذي أجمعت عليه دول المجلس بتوافق وإجماع غير مسبوقين، نظراً للمخاطر التي تحدق بهذه البلاد .
كثيرون هم اللاعبون الخارجيون في اليمن، وساعد في ذلك تدهور الاوضاع فيها خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب سوء الحكم فيها خلال الثلاث والثلاثين سنة الماضية من حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وعجز بناء كيان الدولة منذ عام 1962 في شمالها وتعثر استمرارها في جنوبها منذ ،1967 وتالياً فشل إخراجها إلى وضع آمن بعد وحدة شطري اليمن عام ،1990 من ثم مروراً بعبث قوى النفوذ السياسي والعسكري والديني بارتباطاتها الإقليمية والدولية خلال الأربعة وعشرين سنة الماضية، ووصولاً إلى واقعها الراهن الذي تتنازعه الأزمات بالحضور الفاعل للأطراف الخارجية التي تسعى لتكريس تواجدها المادي والمعنوي من خلال اللاعبين في الداخل انطلاقاً من اهمية جغرافية البلاد لمصالحها .
وقوع اليمن في منطقة شديدة الاهمية والحساسية لجهة مصالح القوى الكبرى دولياً وإقليمياً، كان هو الدافع دوماً لتدخلات الدول الكبرى ودول الإقليم القوية، كما حدث في ستينات القرن الماضي أثناء التدخل المصري والسعودي في شمال اليمن بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 وامتدادات الأمر دولياً، وإرسال مصر قطعها البحرية إلى مضيق باب المندب، لإغلاقه أثناء حرب أكتوبر/ تشرين الأول ،1973 لمنع مرور السفن "الإسرائيلية" أو أي سفن تقصد ميناء إيلات "الإسرائيلي"، إضافة إلى الحضور الفاعل للاتحاد السوفييتي في جنوب اليمن خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي ضمن الصراع الدولي والحرب الباردة بين معسكري الرأسمالية والاشتراكية .
وتجلى الحضور الإقليمي والدولي في اليمن أثناء حرب صيف 1994 وصدور قرارين شهيرين من مجلس الأمن بشأن الوضع في اليمن، وتكرار هذا الحضور بعد احداث الثورة الشعبية التي أطاحت الرئيس السابق صالح من رئاسة البلاد، واعتماد الاشراف الدولي المستمر لمجموعة الدول العشر لرعاية اتفاق التسوية السياسية، المعروف بالمبادرة الخليجية الموقعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 . ووفقاً لذلك فإن اليمن تعرض لعمليات تدخل إقليمي وتدويل فاضح لصراعاته الداخلية، ناهيك عن الحضور الاستخباراتي ضمن الصراع الإقليمي والدولي خلال المنعطفات السياسية الحادة والعنيفة التي شهدتها الجمهوريتان الشطريتان جنوباً وشمالاً، ثم بعد ذلك الجمهورية الموحدة، وأثر ذلك الحضور في توجيه الوضع السياسي فيها .

باب المندب الموقع الجغرافي الأهم

عند الحديث عن اليمن إقليمياً ودولياً، تتجه الانظار مباشرة إلى موقعه الجغرافي وسلطته على مضيق باب المندب، باعتباره ممراً يتحكم بالمنطقة المائية البحرية التي تفصل قارة آسيا من ناحية الشرق وإفريقيا من ناحية الغرب، وتربط المحيط الهندي وبحر العرب بالبحر الابيض المتوسط . 
واكتسب هذا الممر أهميته الاستراتيجية منذ افتتاح قناة السويس عام ،1869 ووفرت طبيعة الجغرافيا لليمن بامتلاكه هذا الموقع سلطة التحكم به، دون أن تكون بالضرورة تملك القوة لذلك، باعتباره المدخل الوحيد للبحر الأحمر، إضافة إلى التداخل الوثيق بين مضيق باب المندب ومضيق هرمز، باعتبارهما طريقين للناقلات المحملة بنفط الخليج باتجاه أوروبا، ناهيك عن اعتباره حزاماً آمناً للجزيرة والخليج العربي، وهمزة وصل بين إفريقيا والجزيرة والخليج، ولعل هذا ما أراد أن يجدد الإشارة إليه والتأكيد عليه الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي بقوله إن "من يمتلك مفاتيح باب المندب وهرمز لا يحتاج إلى قنبلة نووية"، في سياق تلميحه إلى ضلوع إيران في أزمة اليمن .
وفقاً للإحصاءات يمر في مضيق باب المندب 3،3 مليون برميل نفط يومياً، وهذا ببساطة يؤكد مصلحة الدول الكبرى ودول الإقليم في أهمية السيطرة على هذا الممر الدولي أو تأمينه، وقد بدا ذلك جلياً في التواجد الضخم خلال العقد الاخير للقوات العسكرية متعددة الجنسيات في السواحل القريبة من اليمن، بداعي تأمين خطوط الملاحة الدولية من عمليات القرصنة وضربات التنظيمات الإرهابية . 
وموازياً لهذا الدور، كان على تلك الدول أن تمارس دوراً سياسياً وأمنياً وعسكرياً في اليابسة اليمنية، بفرض تدخل واضح في أزمات البلاد وتوجيه مساراتها، تأجيجاً أو تجميداً، اتساقاً مع مصالح تلك الدول منفردة أو متحالفة، وهو الأمر المنعكس في الصراع الإقليمي داخل اليمن والمتجلي في الحضور الإقليمي وامتداد ذلك دولياً، وبدلاً من أن تكون جغرافية اليمن المميزة نعيماً لأهله، تحولت إلى نقمة عليهم، وصاروا ضحايا لصراعات وأزمات داخلية، مشتبكة إقليمياً ودولياً . 
بعد الحرب الأهلية العام 1994 التي أقصت الحزب الاشتراكي من السلطة في اليمن، وهو الحزب الذي كان يحكم جنوب البلاد إبان صراع المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، وبالتالي القضاء على آخر تواجد رمزي وشكلي للقوة التابعة للمعسكر الاشتراكي في المنطقة، دخلت أمريكا إلى الجنوب بوجود عسكري في قاعدة "العند"، القريبة من باب المندب، بتغطية سياسية من الرئيس السابق صالح . 
ومنذ ذاك تعززت المصالح الغربية في اليمن، من خلال شركات تنقيب وإنتاج النفط والغاز باتفاقات مع نظام حكم صالح، أغلبها مجحفة بحق اليمنيين، ما جعل جغرافية اليمن مهمة للغاية للمصالح الدولية، ويستلزم حضورها السياسي والأمني والعسكري أيضاً وقت الحاجة . 
لسنوات طويلة كان اليمن أرضاً ممكّنة لأعمال التهريب والقرصنة، بفعل ضعف السلطات ومصالح أفراد وقوى نافذة فيها خاصة في شمال اليمن قبل وحدة شطري البلاد ولعب موقعه الجغرافي، براً وبحراً، دوراً مسهلاً للتجارة غير الشرعية للأسلحة وتهريب الوقود والمخدرات والبشر أيضاً، وكذلك تسلل المجموعات الإرهابية لتنظيم "القاعدة" مما ضاعف من مشكلات البلاد، وهو الأمر الذي شكل تحدياً للأمن الوطني والإقليمي والدولي . 
حالياً دخلت جماعة الحوثيين بقوة في المشهد العام اليمني، بل وأصبحت لاعباً مؤثراً، لجهة إعادة رسم الواقع السياسي الجديد وترسيم جغرافية البلاد، بالتوافق مع مصالح إيران، الحليفة الداعمة لها، وتجلى ذلك في زحف الحوثيين إلى محافظة الحديدة الساحلية والسيطرة عليها وعلى مينائها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وكذلك سيطرتهم على ميناء ميدي في محافظة حجة على البحر الأحمر، في حين جمّد الحوثيون الحالة في اليابسة في محافظة صعدة المحاذية للمملكة العربية السعودية .
ورغم ما حققه الحوثيون لمصلحتهم ولمصلحة إيران بالطبع في بسط سيطرتهم على الارض حتى اللحظة، وتولي مهمة الحرب على تنظيم "القاعدة" أيضاً وسط اليمن في ظل مشهد سياسي وامني وعسكري ملتبس إلا أن وجهتهم للسيطرة على باب المندب، تظل محل الخوف والقلق الاكبر، والتي انعكست في التحذيرات المتكررة في الداخل والخارج، من وقوع هذا الممر المائي الاستراتيجي تحت سيطرة إيران، وبالتالي تحكمها بخط الملاحة الدولي المهم .


تغييب وتعطيل الجغرافيا

فشلت السلطات في اليمن منذ نهاية حكم الامامة في اليمن الشمالي عام 1962 ونهاية الاستعمار البريطاني في اليمن الجنوبي عام 1967 في إنجاز تنمية حقيقية، ولم تستفد من التنوع الجغرافي المناخي للبلاد وأهمية موقعها البحري .
ويذهب أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء الاكاديمي اليمني فؤاد الصلاحي إلى القول إن "من أهم مظاهر سوء الادارة السياسية في اليمن خلال العقود الثلاثة الماضية والسنوات الاخيرة خصوصاً، أنها عملت على تعطيل أو تغييب متعمد للجغرافيا السياسية، التي يستقيم عليها ويرتكز، بناء لها، النظام السياسي بمصادر قوة تمكنه من الحضور الإيجابي داخلياً وخارجياً" . ويشير إلى أن "بعضهم في هذه الدولة سفّه من قيمة الجغرافيا وجعل منها مجرد حفنة تراب لا يجوز الصراع حولها مع دول الجوار، لكن يجوز القتال حولها في الداخل في إطار التملك اللامحدود للفضاءات المكانية"، ويضيف: "لدينا في اليمن جغرافية متنوعة في مناخها ومهمة في موقعها البحري وذات بعد جيواستراتيجي، لكننا لا نملك نظاماً وحكومة يفهمان ويدركان بوعي مفاعيل الجغرافيا وكيفية جعلها جزءاً من مكونات النظام السياسي للدولة ومصدر قوة أيضاً" .
تتجه السلطة إلى تقسيم اليمن إلى ستة اقاليم، تحددت جغرافيتها وفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، إلا أن هذا التوجه يلقى معارضة قوية وانتقده سياسيون وأكاديميون متخصصون، لقيامه على اساس سياسي وليس تنموياً، فضلاً عن النزاعات المحلية في اكثر من منطقة وخصوصاً في المحافظات الشمالية على جغرافية المكان، بين القبائل والنافذين، وهنا برز مؤخراً العامل الديني ودخل في جغرافية الانتشار المذهبي، وقد ظهر ذلك في تحرك جماعة الحوثيين في المحافظات الشمالية . 
في السياق نفسه اعترض الجنوبيون على تقسيم الجنوب، الذي يشمل المحافظات التي كانت تقوم عليها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، إلى إقليمين، وفقاً لتلك المخرجات، واقترح ممثلون للحراك الجنوبي المشارك في مؤتمر الحوار قيام إقليمين شمالي وجنوبي في الدولة الاتحادية المزمعة؛ في وقت يرفض الحراك الجنوبي المتشدد تلك المخرجات ويصر على انفصال الجنوب أو فك ارتباطه بالشمال .
وفي ظل هذا الوضع الملتهب في الجنوب والصراعات في الشمال، تبدو جغرافية اليمن بعيدة عن حسابات اليمنيين، حتى الآن، إلا من زاوية ارتباطات بعض قواها السياسية الفاعلة بالقوى الإقليمية والدولية ومصالحها في المنطقة، فيما عامل الجغرافيا لا يحضر لدى اليمنيين، إلا من زاوية الاحتياجات الحيوية للناس كمنابع الماء والرعي وحدود السيادة الجغرافية في بعض المحافظات الريفية خصوصاً ومواقع الثروات الطبيعية، وعادة يغلب الطابع القبلي على تلك الأمور وما ينتج عنها من حروب قبلية، مقابل ضعف حضور وسيادة الدولة .

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)