جون شوارز*- ذا انترسبت
بُعَيْد ساعاتٍ من تنفيذ السعودية حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي نمر النمر، يوم السبت 2 يناير 2016، أحرق متظاهرون إيرانيون مقر السفارة السعودية في طهران. وفي اليوم التالي، قطعت المملكة- التي تعتبر نفسها حاميًا للإسلام السني- علاقاتها الدبلوماسية مع إيران؛ الثيوقراطيّة الشيعية.
الدين أم النفط؟
لشرح ما يحدث؛ قدّمت صحيفة نيويورك تايمز إطلالة تمهيدية حول الفرق بين الإسلام السني والشيعي، لتخبرنا بأن "الانقسام ظهر بعد وفاة النبي محمد في عام 632"، أي قبل 1383 عامًا. بيدَ أن الأزمة الحالية أقل ارتباطًا بالدين، منها بالسيطرة على شيء أكثر واقعية الآن: النفط.
في الواقع، يمكن تفسير معظم هذا الصراع عبر خريطةٍ واحدة رائعة رسمها د. مايكل إزادي، الأستاذ المساعد في مدرسة العمليات الخاصة/جامعة العمليات الخاصة المشتركة في فلوريدا.
تُظهِر الخريطة أنه نظرًا للارتباط الفريد بين التاريخ الديني والتحلل اللاهوائي للعوالق؛ فقد كان الوقود الأحفوري في الخليج- كله تقريبًا- يقع في مناطق الشيعة. وهو ما ينطبق حتى على المملكة العربية السعودية السنية، حيث تتواجد حقوق النفط الرئيسية في المنطقة الشرعية ذات الأغلبية الشيعية.
أعمق مخاوف المملكة
نتيجة لذلك، يتجسد أعمق مخاوف العائلة الملكية السعودية في أن ينفصل شيعة السعودية يومًا ما، بنفطهم، ويتحالفون مع إيران الشيعية.
نما هذا الخوف منذ أطاح الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، بنظام الأقلية السنية الذي يقوده صدام حسين، وتمكين الأغلبية الشيعية الموالية لإيران.
بل قال "النمر" نفسه في عام 2009، إن شيعة السعودية سيطالبون بالانفصال إذا لم تحسن الحكومة السعودية معاملتها لهم.
تُظهِر الخريطة التعداد الديني في الشرق الأوسط، واحتياطات الغاز والنفط المؤكدة:
- المناطق الخضراء الداكنة هي ذات الأغلبية الشيعية.
- المناطق الخضراء الفاتحة هي ذات الأغلبية السنية.
- المناطق البنفسجية/الأرجوانية هي ذات الأغلبية الوهابية/السلفية.
- المناطق السوداء هي مكامن النفط.
- المناطق الحمراء هي مكامن الغاز.
المصدر: د. مايكل إزادي في جامعة كولومبيا، الخليج2000، نيويورك).
إخماد الأفكار
كما توضح خريطة "إزادي" بجلاء، تتركز الثروة النفطية السعودية بشكل أساسي في شريحة صغيرة من أراضي المملكة تقطنها أغلبية شيعية ("النمر"، على سبيل المثال، من مدينة العوامية الواقعة في قلب المنطقة النفطية السعودية شمال غرب البحرين).
وإذا انفصل هذا الجزء من شرق المملكة، فما الذي سيتبقى بعدها للعائلة الملكية؟
يمكن تفسير إعدام النمر جزئيًا بحرص السعوديين المستميت على إخماد أي ذُبالةٍ تشير إلى تفكير شيعة البلاد في الاستقلال.
ويوضح هذا التوتر ذاته لماذا ساعدت السعودية البحرين، ذات الأغلبية الشيعية التي تحكمها أقلية سنية، في سحق نسختها من الربيع العربي في عام 2011.
تقديرات طائفية
تقديرات مماثلة كانت وراء قرار جورج بوش الأب بالجلوس في مقاعد المتفرجين، بينما يستخدم صدام حسين الأسلحة الكيماوية عام 1991، لإخماد تمرد الشيعة العراقيين في نهاية حرب الخليج.
وكما أوضح توماس فريدمان في نيويورك تايمز حينذاك، كان صدام "يلمّ شعث العراق؛ وهو ما كان يُشعِر تركيا والسعودية، حليفتي الولايات المتحدة، بكثير من الارتياح".
طبعًا، من السهل القول إن كل ما يحدث بين السعوديين والإيرانيين يمكن إرجاعه إلى النفط، لكن ثمة خلاف أيديولوجي متأصِّل بين الجانبين. ورغم ذلك، إذا لم يكن هناك وقود أحفوري، يرجح أن تكون هذه الطائفية أقل حدة اليوم.
لعنة رهيبة
يومًا ما، وصف ونستون تشرشل النفط الإيراني- الذي كانت المملكة المتحدة مشغولة بسرقته حينذاك- بأنه "جائزة من دنيا الخيال تتجاوز ألمع آمالنا".
كان تشرشل مُحِقًّا، لكنه لم يدرك أن هذا هو نوع القصص الخيالية التي تنطوي كنوزها على لعنةٍ رهيبة.