سالم الكتبي
يبدو ان قادة إيران الفارسية لم يفاجئوا بعملية "عاصفة الحزم" وماتلاها من مواقف وقرارات لدول تحالف الدفاع عن الشرعية الدستورية في اليمن فحسب، بل إن نتائج هذه العملية وما يمكن أن يترتب عليها اقليميا من تغيرات في موازين القوى وماتفرضه من معادلات استراتيجية جديدة، كل ذلك قد تجمع لينتج قدرا واضحا من الارتباك والتهور السياسي الايراني.
من المعلوم ان إيران المحملة بأحلام التوسع الفارسي لم تكف يوما ما طيلة السنوات السابقة عن توزيع الاتهامات وكيل الشتائم لبعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فضلا عن إبداء الازدراء الشديد للعرب ودولهم، لدرجة أن أحد ساستها تباهى علنا الشهر الماضي باحتلال إيران لأربعة عواصم عربية، حيث قال مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي إن "ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإسلامية، وإن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي باتت في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية." ولكن يبدو أن هزيمة إيران استراتيجيا ونسف مخططها في اليمن تسبب في حالة لافتة من العصبية والتهور لقادتها، وهو ما انعكس في خروج قائد الحرس الثوري الايراني اللواء محمد علي جعفري واتهامه للسعودية بـ"الخيانة" في اليمن وبانها "تحذو حذو اسرائيل في المنطقة"! وهي اتهامات تستكمل موجة من الهجوم الاعلامي والانتقادات الحادة الصادرة عن قادة إيرانيين كبار في مقدمتهم مرشد الثورة علي خامنئي نفسه.
الغريب في كل هذه التصريحات أن جعفري قد اعتبر أن تحرك دول تحالف دعم الشرعية الدستورية في اليمن بمنزلة انكشاف لأعداء الثورة الاسلامية في إيران أو أن "أعداء الثورة الاسلامية بدات تتضح معالمهم " كما جعفري نصا! وهو موقف غريب ورؤية لافتة للأوضاع بالفعل لأن المنطق يقول أن مايحدث في اليمن لا علاقة له بالثورة الايرانية ومصيرها وماآلاتها، بل عن طهران نفسها تنفي ليل نهار أي علاقة لها بالأحداث في اليمن وترفض أي إشارة للدعم العسكري القوي الذي تقدمه للحوثيين هناك! فإذا كانت إيران لا علاقة لها بالفعل بالأوضاع في اليمن كما تزعم، فلماذا تعتبر تحرك دول التحالف مسألة عدائية لها؟ ثم ماهي علاقة إيران من الأساس باليمن الذي هو دولة عربية سعت دول عربية رئيسية إلى تحقيق الأمن والاستقرار فيه من بوابة استعادة الشرعية واستهداف المعتدين عليها؟
تصريحات القادة والمسؤولين الايرانيين هي خير تعبير عن فشل خططهم ومخططاتهم الفارسية التوسعية في اليمن، كما إن ارتفاع وتيرة الهجوم ضد المملكة العربية السعودية يعكس مستوى القلق الذي ينتاب طهران جراء تصاعد الدور الخليجي في التعامل مع أزمات المنطقة، فالصراخ على قدر الألم كما يقال. ويبدو أنه بعدما فقدت طهران مصداقيتها في أعين شريحة كبيرة من مؤيديها، وبعد ما سقطت جوانب كبيرة من صورة ذهنية زائفة ظلت تروج لها لسنوات مضت، من أنها الحاكم الآمر الذي لا يمكن الوقوف بوجهه في هذه المنطقة، وبعدما وجدت تحالفاتها تنهار امام عينيها، لم تجد طهران أمامها سوى محاولة توزيع الاتهامات عشوائيا زاعمة أن السعودية تمارس "الإبادة" ضد الشعب اليمني في حين أن العالم أجمع يقر شرعية تحرك دول التحالف لحماية الشعب اليمني ضد الاعتداء الحوثي.
هناك من يقول أن طموح إيران الفارسي في تحريك الحوثيين وتحريضهم على احتلال صنعاء، والسعي إلى إحكام السيطرة الكاملة على الأوضاعباليمن، كان بهدف مقايضة الوضع هناك بالوضع في سوريا، ولما سقطت رهانات اليمن فقد فقدت إيران الفارسية صوابها ورشدها، ولجأت إلى الهجوم اللفظي والكلامي على السعودية إدراكا منها أن ماحدث في اليمن هو قمة جبل الجليد لإعادة هيكلة توازنات القوى الاقليمية، التي كانت تحرص إيران على تثبيتها لمصلحتها ثم مقايضتها في الحوارات والمفاوضات المشتركة مع الغرب والحصول من خلال ذلك على تنازلات اقليمية على حساب مصلحة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
صحيح أن عملية "عاصفة الحزم" ستسهم في تصحيح الأوضاع لاحقا، وإعادة تعريف موازين القوى الاقليمية في المديين القريب والبعيد، ولكن لو تخيلنا أن هذا الموقف الخليجي الجريء قد تم قبل ذلك بأشهر قلائل، وقتها ربما لم تكن إيران قد وصلت إلى محطة الاتفاق مع الغرب حول برنامجها النووي، ولكن الحاصل الآن أن الجميع اكتشف حدود قوتها الحقيقية وهذا الأمر سيكون أحد قواعد اللعبة الاستراتيجية لاحقا في منطقة الخليج العربي، فإيران هي أحد أطراف اللعبة وليست الطرف المهيمن عليها بعد أن اكتشف الجميع أنها مجرد نمر من ورق.