محمود خليل
فعاليات وتصريحات عديدة جاءت على لسان مسئولين رفيعى المستوى خلال الأيام الماضية تمنحنا مؤشرات متنوعة عن قرب الإعلان عن مشاركة مصرية رسمية فى التدخل البرى فى اليمن، وأقول رسمية لأن مصر تشارك بالفعل فى الحرب، وقد شهدت الأيام السابقة الإعلان عن قائد القوة المصرية المشاركة فى الحرب بصحبة وزير الدفاع الفريق أول «صدقى صبحى»، وهى خطوة تأتى ضمن خطوات سبقتها وأعقبتها للتمهيد لإعلان «رسمى» وشيك عن تدخل برى مصرى فى اليمن، بعيداً عما يتردد من معلومات غير مؤكدة فى هذا السياق. وسيكون التدخل «مصرياً» فى الأساس لأسباب نعلمها جميعاً، أبرزها تراجع باكستان عن المشاركة بقواتها فى الحرب، وعدم وجود قوات برية حقيقية تستطيع أن تدخل مثل هذه المعمعة على مستوى أى من الدول العربية.
منذ بدء عاصفة الحزم، أعربت، كما فعل كثيرون غيرى، عن القلق من التدخل المصرى فى اليمن، ولست بحاجة إلى الاستطراد فى ذكر ما استندت إليه من أسباب فى هذا السياق، لكن يبقى أن صاحب القرار فى مثل هذه الحالات هو رئيس الجمهورية، وهو فى الأول والآخر مسئول عن هذا القرار ومحاسب عليه، وهو أدرى بالمعلومات المتكاملة التى يمكن أن يتأسس عليها هكذا قرار. إننى أتفق معه فى أن سياق وظروف العام 2015 تختلف عن الأوضاع فى الستينات، ليس من زاوية حسابات القوة والضعف، على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، بل من زاوية «قدرة المصريين على التحمل». فلا أتوقع على سبيل المثال أن يطيق الناس حالياً فكرة الانخراط فى حرب طويلة الأمد كالتى خضناها فى اليمن خلال الفترة من 1962 وحتى نكسة يونيو 1967، أو أن يرضوا عن سقوط آلاف الشهداء من جنود جيشنا فى حرب تصب فى خانة «كيد السعودية لإيران»، بإعادة الرئيس «عبدربه هادى منصور» إلى الحكم مرة ثانية، وهو أمر لا يقل عبثية عن ادعاء القدرة على إحياء الموتى، لأن «هادى» كان جزءاً من المشكلة، ومن الصعوبة بمكان أن يكون ضلعاً فى الحل.
وأظن، والله أعلم، أن أى حرب فى اليمن لن تكون قصيرة المدى، والأرجح أن تطول، وقد يكون من المفيد أن تأخذ القيادة السياسية هذا الأمر فى الاعتبار، أما أسباب إطالة أمد الحرب فيتحدد أولها فى أن المقاتلين الحوثيين ليسوا قليلى العدد، أو ضعيفى التسليح، يشهد على ذلك تمكنهم من السيطرة على العديد من محافظات اليمن، والتمدد على المزيد من الأرض، تحت قصف طيران عاصفة الحزم، السبب الثانى أن إيران لن تترك المملكة تحقق حلمها العجيب، الذى تسانده مصر، بإعادة الهارب «هادى منصور» إلى السلطة مرة ثانية بما يتوقعه البعض من سهولة، أما السبب الثالث فيرتبط بطبيعة الشخصية اليمنية المزاجية التى تميل إلى التحول فى المواقف والاصطفافات بمنتهى السهولة ودون أدنى مشكلة، فالمخلوع على عبدالله صالح تحولت مواقفه منذ الثورة عليه عدة مرات، وكذلك إخوان اليمن، وكذا قبائلها، الأمر الذى يعنى أن من يصطف معك من اليمنيين وأنت داخل يمكن أن ينقلب موقفه عندما تدخل. أنا أعلم أن الحسبة صعبة، وأن الإحجام عن المشاركة البرية له أيضاً تأثيرات سلبية عديدة علينا، والكلمة الآن لـ«فقه الأولويات»!
/نقلا عن الوطن المصرية/