الأرشيف

درس اليمن: نحن نتآمر على أنفسنا

الأرشيف
الاثنين ، ١٣ ابريل ٢٠١٥ الساعة ١٠:٥٢ صباحاً

ياسر عبد العزيز


اليمن على عكس غيره من البلدان لا يطرح احتمالات عديدة تتفاوت فى درجات الإيجابية والسلبية، لكنه، متفرداً، يطرح سيناريوهين اثنين لا ثالث لهما: طاقة نمو وتقدم قوامها كتلة بشرية شابة طالعة للعمل والحياة، أو طاقة شر ودمار قوامها كتلة بشرية نزقة طالعة لليأس والخراب.

لم يُخلص كثيرون فى دعم اليمن، كما لم تستطع الدولة أن تفرض مشروعها التنموى الناجع، وأخفقت فى بسط هيمنتها على انفلاتات القبيلة والتأويلات الدينية.

وفى الوقت ذاته، كانت عوامل التطرف تجد الفرص اللازمة كلها والبيئة المثلى للنمو والازدهار، مستفيدة من الفقر، والأمية، وسوء توزيع الموارد، والفساد، والتهميش الاجتماعى، والفهم المغلوط والقاصر للدين، وأصابع الجيران والقوى الإقليمية والدولية النافذة، وأحلام «الحوثيين» و«القاعدة» وغيرهما من تنظيمات «الجهاد» و«الموت لأمريكا وإسرائيل».. وخواء السلطة وضعفها.

فيما يتعلق بمحاسن اليمن ومباهجه، فلن تكفى مساحة مقال أو صفحات صحيفة أو عشرات الكتب لتعدادها وحصرها كلها، خاصة أنه «اليمن السعيد»، و«أصل العرب»، و«منبع الحضارة»، التى شيدت من المعانى والمُثل والعبر بأكثر مما شادت من معمار بديع، رغم عراقته وجماله وحسن إبداعه.

لكن ثمة الكثير من المشكلات الكبيرة التى يراها المحب فى أخيه، فلا يسكت عنها، ليس لأنه منزه عن مثلها أو ما هو أقبح منها، وليس لأنه فى وضع الناقد أو الحكيم، ولكن لأن صديقك من صدقك وأهدى إليك عيوبك.

القات يأتى على رأس المشكلات القبيحة التى تنهش جسد هذا البلد الجميل، ولطالما تحدث الناس فى اليمن وخارجه عن القات ومشكلته وتأثيره السلبى فى حياة اليمنيين، معددين التأثيرات الاقتصادية والسلبيات الصحية والتداعيات الاجتماعية له، وواصفين الأثر السلبى لهذا المخدر، المصنف ضمن الممنوعات دولياً، على صورة البلد ومواطنه، لكن أحداً لم يقل كل ما يجب أن يقال فى هذا الصدد، فلم يذكر أحد أن «للقات دولة» فى اليمن، وأن «الدولة للقات» فى هذا البلد العزيز.

يُعد القات فى اليمن الطقس الوطنى الأول، والقاسم المشترك فى حالات الود والجفاء والتحالف والتصادم والحرب والسلام والوحدة والانفصال.

إذا بدأ اليمن محاولة التحرر من ربقة القات فسيجد الفرصة والعزم اللازمين للتحرر من عدد من العادات الضارة الأخرى تالياً.

ومن تلك العادات والمظاهر الفساد، إذ يتحول من نشاط طارئ ومؤثر فى الحالات المتصلة بالبيروقراطية والسياسة والنشاط الإنتاجى إلى قوام الدولة وعمودها الرئيس.

أما البيروقراطية فنسخة يمنية مشوهة عن أصل مصرى سيئ وقاصر، تجعل حياتك سلسلة من الأوراق، التى لا يُرجى منها سوى التأكيد أن ثمة موظفاً يعمل هنا، وأنه ليس لديه أى عمل ذى قيمة، ولندلل على وجوده، ونحلل القروش القليلة التى يتقاضاها، يجب أن نحصل على توقيعه على أكبر عدد ممكن من الأوراق.

أما القبلية فكارثة كبيرة، إذ إنها تخصم فوراً من رصيد الدولة، وتفتئت عليها، وتنال من هيبتها، وتقلل قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الرئيسة، التى يجب أن تركز على تحقيق الوحدة والمواطنة وتكريس الديمقراطية وتداول السلطة الحقيقى.

وإضافة إلى الانتهاك المنهجى لحقوق الإنسان، والتلاعب بالديمقراطية واختصارها فى الإجراءات غير النزيهة، تبرز حالة الكسل العام، وغياب المشروع والرؤية، والشخصنة، والحرص على المصلحة الذاتية الضيقة المباشرة، مهما جارت على المصلحة الوطنية.

يتعرض اليمن لتدخلات إقليمية ودولية قاسية، وتستهدفه الحرب، وينهكه الإرهاب، ومن الممكن أن يكون ضحية لمؤامرة.. لكنه أخطأ فى حق نفسه أكثر مما أخطأ الآخرون.

فلنَدْعُ لليمن بالسلامة والأمن والرخاء.. ولنستخلص العبر من مأساته.

 

/المصري اليوم/

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)