نبيل البكيري
تدخل عاصفة الحزم أسبوعها الثالث، ولا جديد في مجال أهدافها الاستراتيجية المعلنة، باستعادة الشرعية في اليمن التي انقلب عليها حلف الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، والحوثيين، بدعم إيراني واضح، على الرغم من كل نجاحاتها في تحقيق معظم أهدافها التكتيكية، المتمثلة بتدمير كامل البنية التحتية ومراكز القيادة والسيطرة للجيش الموالي لصالح ومليشيات الحوثي.
لكن، يبقى السؤال المطالب بسرعة الإجابة عنه من قيادة عاصفة الحزم، وطاقمها السياسي تحديداً، هو ماذا بعد تحقيق جل الأهداف العسكرية التكتيكية، في الوصول إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي، المتمثل بإعادة الشرعية السياسية المنقلب عليها من مليشيات صالح والحوثي.
أعتقد أن وضوح الهدف من دون وضوح آليات تحقيقه ليس كافياً، وليس في ذلك ما يدعو إلى الاطمئنان في أمر كهذا، بالنظر إلى المشهد من كل زوايا النظر إليه، من دون إغفال كل الأسباب التي أوصلت المشهد اليمني إلى هذه المرحلة من التعقيد والفوضى.
بمعنى آخر، أعتقد أن أمام قيادة عاصفة الحزم التي تشير تسميتها، ضمناً، إلى أنها فقط تسعى إلى إجبار كل الأطراف إلى العودة إلى طاولة المفاوضات والحوار، مغفلة أن المشهد اليمني وصل إلى ما وصل إليه، بعد عملية حوارية طويلة، كللت بمخرجات حوار وطني، كانت تمثل حداً أدنى من المتفق عليها بين جميع الفرقاء، لكن بعضهم ذهب إلى خيار العنف، وكأن الحوار كان بالنسبة له تكتيكاً، لا استراتيجيا.
عدا عن هذا، وهو الأهم هنا، أن الرئيس عبد ربه منصور هادي وطاقمه المقرب، كانوا الجزء الرئيس الذي فرط بفرص كبيرة وذهبية، لاستعادة هيبة الدولة، وفرض خياراتها على الجميع، وأثبتوا في مرحلتي صنعاء عدن المتتاليتين أنهم يمثلون عنصر ضعف، لا قوة، في عملية استعادة الشرعية. وهذا ما يحتم على قيادة عملية الحزم عدم الركون إلى هذا الطاقم على الواقع، بقدر الاستفادة من رمزية الرئيس، والعمل على الأرض، من خلال القوى الوطنية المقاومة التي فرضت وجودها على الأرض، وأهمها القوى التي صمدت كل هذا الصمود في عدن، وفرضت واقعاً جديداً، لا يجب إغفاله.
الجانب الآخر، وهو الذي يجب التركيز عليه، عامل الزمن، وأهمية ذلك في سرعة الانتقال من مرحلة الحزم إلى مرحلة الحسم، وهذا يعني الانطلاق وفقاً لاستراتيجيا مدروسة بعناية، بشقيها السياسي والعسكري.
بمعنى آخر، يمثل الوقت عاملاً مهماً وضرورياً، لتحقيق أكبر قدر من الأهداف في أقل فترة زمنية ممكنة، أي أن تحقيق جملة الأهداف في وقت قصير يعني سرعة تحقيق الهدف بأقل كلفة ممكنة، عدا عن أن سرعة الحسم تعني، أيضاً، قطع الطريق أمام العدو في إيجاد جبهات أخرى، ستسهم في إطالة أمد المعركة، ومن ثم الرضوخ للأمر الواقع الذي يقتضي، حينها، اللجوء إلى طاولة المفاوضات، ما يعني الاعتراف بشرعية الخصم نداً، وهنا، تكون مسألة الشرعية التي تدخلت لدعمها مسألة فيها نظر.
ولكي يتم تجاوز ذلك كله، ينبغي الانطلاق على مسارين متوازيين، العسكري والسياسي. في الأول، يجب تشكيل مجلس قيادة عسكرية يمنية، من القوات الموالية للشرعية، وسرعة تشكيلها وتسليحها وانتشارها على الأرض، حاملاً وحيداً لسلطة الشرعية السياسية، وهذا يعني تجنيب توريط الأطراف المعنية بعاصفة الحزم على الأرض اليمنية عسكرياً، نظراً لحساسية مثل هذا الأمر الذي ستستفيد منه حتماً سلطة الانقلاب المليشيوي.
بشأن الجانب السياسي ومساراته، أعتقد أنه ينبغي الإسراع في تشكيل حكومة وطنية لتصريف الأعمال من كل الأطراف الوطنية المعارضة للانقلاب، ومدها بكل عوامل النجاح الخدمي للمواطن اليمني الذي بدأت تداعيات عاصفة الحزم، أمنياً واقتصادياً، تؤثر كثيراً على حاجياته الضرورية، كالتمويل المعيشي الذي بدأ ينفد، والطاقة التي بدأت، هي الأخرى، تنعدم في الأسواق.
وفي حال النجاح في كسب عامل الوقت، والمضي في المسارين، العسكري والسياسي، بنجاح، ما يتأتى، لاحقاً، من محاولات التدخل الإقليمي من الأطراف الداعمة للانقلاب، كإيران أو روسيا، ومحاولتهما تكرار المشهد السوري يمنياً، سيبوء بالفشل، نظراً أيضاً لقدرة الأطراف الأخرى على قطع الطريق، وسحب البساط أمام أطراف هذا التدخل.
أما الركون إلى مجرد التضخيم الإعلامي، بالزعم أن الأمور تمضي بنجاح كبير، من دون تقدير للوضع على الأرض، بالتهوين من حجم الخصم والحديث عن تحقيق كل الأهداف ضده إعلامياً، فهذا سيؤدي إلى كارثة، قد تجر المشهد إلى خيارات عدة، لا أحد يستطيع التنبؤ بمآلاتها وتطوراتها المتسارعة.