الأرشيف

مصر تستيقظ فى اليمن!

الأرشيف
الأحد ، ٠٥ ابريل ٢٠١٥ الساعة ٠١:٢٠ مساءً

مي عزام


في حديث الأستاذ هيكل الأخير مع لميس الحديدى والذى حمل عنوان «الخطر والأمل» استوقفنى كثيرا تشبث الأستاذ بما سبق أن كرره مرارًا في حواراته السابقة بضرورة وضع تصور للمرحلة القادمة تسبق الفعل، وعلق على مقولة السيسى في مؤتمر شرم الشيخ بأن مصر استيقظت، وهو شيء مبشر بالخير وعليه الآن أن يحدد الاتجاهات، فدعوة اليقظة تستدعي تحديد الطرق فوراً.

عندما نقول إن هناك عالمًا عربيا «خربانًا ومفككًا» وعندما نقول إن الإرهاب يرعى فيه.. فإننا أمام عالم جديد يجب إعادة بنائه ووضع تصورات لهذا البناء. ولقد جعل هيكل من وضع هذه التصورات أولوية تسبق التفكير في إنشاء قوة عربية مشتركة، واستشهد بثلاثة نماذج تاريخية، أولها ماحدث في أوروبا بعد الحروب النابليونية والثورة الفرنسية، حيث كانت أوروبا في حالة تفكك وعقد وقتذاك مؤتمر فيينا من سبتمبر 1814 وحتى يونيو 1815 واجتمع ألكسندر قيصر روسيا وميترنيخ وزير خارجية النمسا، وزيرى خارجية إنجلترا فيسكونت كاسلريا وفرنسا شارل موريس تاليران، وعلى مدار شهور ظلوا يفكرون كيف ستكون أوروبا في الحقبة القادمة، واستطاعوا وضع تصورات الحلف المقدس الذي منع حرب أوروبية شاملة بداية من 1814 إلى 1914.. مائة عام شهدت تطورات مهمة كبيرة جداً، النموذج الثانى وبعد الحرب العالمية الثانية عقد مؤتمر في بوتسدام قرب برلين حضره الرئيس الأمريكي هاري ترومان، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل (الذي خلفه كليمنت أتلي خلال المؤتمر)، ورئيس الوزراء السوفييتي جوزيف ستالين، واستمر من 17 يوليو إلى 2 أغسطس 1945 لبحث مشكلة إعادة بناء أوروبا، وكانت أول مشكلة وجود 18 مليون جندى سيتم تسريحهم، وكيف سيتم التعامل معهم وتوفير أعمال لهم. ألمانيا كانت مدمرة ووسط أوروبا لا يمكنه العيش بدونها فهى تحفظ توازناته، وإنجلترا لديها مشاكل كبيرة وهى مفلسة، وبدأ الناس يفكرون كيف يمكن بناء مستقبل جديد، وجلسوا لبحث تصورات وليس قرارات.

والنموذج الثالث الجلسة التي عقدها ميتران مع مارجريت تاتشر لوضع تصور لوضع أوروبا تجاه أمريكا، وأن تكون طرفا دوليا قادرا على التأثير، وأن يكون لها وضعية مستقلة. ما ذكره الأستاذ هيكل تأكيد لأهمية وضع التصورات لما يجب أن يكون عليه العالم العربى في المستقبل القريب، طبقا لرؤية تطبق مفاهيم التقدم والعدل الاجتماعى وليس فقط مظهر الحداثة، وأضاف هيكل: الصراع أمامى ليس عسكريا.. القوة قد تدخل فيه لكن يحتاج لإدارة من نوع مختلف، ونحتاج لتصورات قبل التحركات.. وإذا لم نكن قادرين على التصور فلا فائدة.

الأستاذ يرى أن الحلول العسكرية لن تؤتى بثمارها دونما تفكير لتصور سابق لتوجهات الدول العربية، كما أنه في حديثه قلل من المخاوف من إيران، والتى تعتبرها دول الخليج الآن العدو الأكبر.

وهنا يحضرنى موقف سلطنة عمان وهى من دول مجلس التعاون الخليجى، لكنها رفضت الدخول في التحالف السعودى لضرب الحوثيين واستعادة الشرعية في اليمن، وسلطان عمان هو صاحب أطول فترة حكم من بين الحكام العرب، فالسلطان قابوس بن سعيد الذي انقلب على أبيه عام 1970 وإزاحة من الحكم مازال يمسك بمقاليد الحكم في البلاد، ولقد استطاع أن يتعامل بهدوء وحكمة مع الكثير من المتغيرات الداخلية والخارجية، فلقد واجه ثورة الظفار التي اندلعت أثناء حكم والده السلطان سعيد بن تيمور في منتصف الستينيات من القرن الماضى، والتى كانت مدعومة من بعض دول الجوار العربية، وحينها طلب معونة شاه إيران العسكرية وبفضلها تم القضاء على هذه الثورة نهائيا عام 1975، ولم تتأثر العلاقة بين البلدين بعد الثورة الإيرانية وتأسيس الجمهورية الإسلامية.

ولعل ذلك ما جعل العلاقة بين سلطنة عمان وإيران ذات طبيعة خاصة ومختلفة عن باقى دول مجلس التعاون الخليجى، فالسلطان قابوس قرر أن تقف بلاده على الحياد بين أطراف يسعى كل منها لاستقطاب السلطنة وأبقى على علاقات جيدة مع بريطانيا وأمريكا، سمحت له أن يكون وسيط إيران مع هذه الأخيرة، فيما يخص المحادثات حول ملفها النووى، كما توسط من قبل لدى إيران للإفراج عن بريطانيين وأمريكيين.

لقد استطاع السلطان قابوس أن يقيم علاقات برجماتية صرفة مع جيرانه سواء دول الخليج العربى أو إيران، وأبقى على مسافة معقولة مع كل منهما تسمح له بأن تكون قرارات بلاده متوافقة مع مصالحها بعيدة عن الحروب والمشاحنات، ونجح في تحرير علاقات بلاده الخارجية من إرث الماضى، وهو نموذج لعلاقات المصالح التي تتسم بالتعقل.

ما يحدث الآن في اليمن يذكرنى بالفخ الذي وقع فيه صدام حسين في حربه مع إيران وغزوه للكويت، والتى خرج من كليهما مستنزف وفى وضع سياسي سيئ، أعتقد أن السعودية تعجلت في «عاصفة الحزم»، وكذلك مصر التي ليس لها مخاوف مباشرة من النفوذ الإيرانى ولا مصالح متقاطعة معها، وأتصور أن هناك طرقاً أخرى لرد الجميل للسعودية ودول الخليج على دعمهم ومساندتهم لمصر بعد ثورة 30 يونيو وعزل مرسى دون خوض حرب لا تحتملها ظروفنا، وأعتقد أن مقولة الدفاع عن مصالحنا وأمننا القومى والتخوف من سيطرة الحوثيين على باب المندب فيه الكثير من المبالغات والتضخيم الإعلامي.

حين تحدث الرئيس السيسى عن استيقاظ مصر، كنت أتوقع أن يتم رسم خريطة لمستقبل البلاد واضحة المعالم، يحشد فيها السيسي كل طوائف الشعب لتحقيق أحلام طال انتظارها، ولكننى لم أكن أتوقع أن تستيقظ مصر في صعدة ... اللهم جنب مصر شرور الحروب والفتن ... سهل أن تبدأ حرب ولكن الصعب معرفة كيف ومتى تنهيها وتخرج منها غانمًا.

[email protected]

 

/المصري اليوم/

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)