محمد الطميحي
في الرابع من يوليو عام 2011 استقبلت الرياض علي عبدالله صالح وهو بين الحياة والموت بعد الإصابة البليغة التي تعرض لها إثر التفجير الغامض الذي وقع في مسجد دار الرئاسة في صنعاء.
وجه مشوّه وجسد تملؤه الحروق، وحالة عارمة من الحقد والغضب على الثوار الذين خرجوا ضده في معظم المحافظات اليمنية ومن ساندهم من أحزاب وقادة عسكريين اتهمهم صالح بالوقوف وراء محاولة اغتياله.
في ذلك التاريخ تجاوزت المملكة كل الخلافات التي تراكمت خلال سنوات من حكم المخلوع الذي حاول استغلال ملفات ذات حساسية بالغة كالقاعدة والحوثيين لابتزاز جيرانه والعالم فاستقبلت صالح وعدداً كبيراً ممن أصيب معه في ذلك التفجير ووفرت لإنقاذهم كل ما تملك من قدرات بشرية وإمكانات طبية.
بعدها بشهر خرج (عفّاش) - كما يناديه معارضوه - في خطاب على شاشة التلفزيون اليمني وهو معصوب الرأس، وقد ظهرت الإصابة البالغة على وجهه ويديه وتحت الثوب الذي يخفي ثماني عمليات جراحية أجريت لعلاجه مما أصابه من شظايا وحروق.
البعض اعتبر ظهوره على هذه الحالة شجاعة، إلا أن من يعرف صالح أدرك أن هذا الظهور اللافت ما هو إلا رسالة بأنه لن يتخلى عن السلطة مهما كلفه الأمر، وهذا ما حدث بالفعل عندما عاد إلى صنعاء بصورة مفاجئة قبل أيام من ذكرى ثورة 26 سبتمبر.
اشتعلت الميادين وتضاعفت أعداد المتظاهرين ضد 33 عاما من فشل صالح الذي وضع اليمن في مصاف الدول الأكثر فساداً على مستوى العالم، وعلى الرغم من ذلك تمسك بالحكم وحاول بكل ما يملك من دهاء ومكر المماطلة في التوقيع على المبادرة الخليجية التي كانت الأمل الوحيد في تجنيب اليمن الوقوع في حرب أهلية، حتى عاد ووقع مرغما على المبادرة في العاصمة السعودية بعد أن اشترط الحصول على حصانة تعفيه من دفع ثمن ما ارتكبه في حق شعبه من جرائم وانتهاكات.
بدأ اليمنيون بعدها في حوار وطني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن صالح لم يكن غائبا رغم تعهده بالابتعاد عن العملية السياسية فبدأ بتحريك خيوط اللعبة من جديد من خلال حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه وبادر إلى إقالة الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي من أمانة الحزب عندما بدأ الأخير في إحداث تغييرات في المؤسسة العسكرية للحد من نفوذ المخلوع وأقربائه في تلك المؤسسة التي ظلت تدين له بالولاء على حساب واجبها الوطني.
استغل عفّاش أطماع الحوثيين وحقدهم على الشعب فعقد تحالفا خفياً معهم لضرب خصومه، وعلى رأسهم أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر واللواء علي محسن وغيرهم من زعامات حزب الإصلاح فمهّد لهم الطريق في عمران من خلال امتناع الموالين له من ضباط عن حماية المدن والقرى التي هاجمها الحوثيون أو دعمهم في مواجهة من تصدى لهم كالعميد ركن حميد القشيبي قائد اللواء 310، وتسهيل استيلائهم على الدبابات والأسلحة الثقيلة التي أخلت بموازين المواجهة مع أبناء القبائل الأقل تسليحاً.
ظن عفاش بأن المد الحوثي سيعيده أو ابنه أحمد إلى كرسي الرئاسة من خلال إقناع اليمنيين وجيرانهم في دول الخليج بأنه الوحيد القادر على مواجهتهم وهذا ما حاول أحمد علي عبدالله صالح المساومة عليه لدى لقائه بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع، وذلك في الرياض قبل يومين من انطلاق عملية عاصفة الحزم لكنه تفاجأ عندما كانت الإجابة واضحة وصريحة بأن المملكة لن تتنازل عن المبادرة الخليجية ولا عن الشرعية في اليمن المتمثلة في الرئيس عبدربه منصور هادي وأن عدن التي أصبحت العاصمة المؤقتة لليمن (خطّ أحمر).
رجع ابن عفاش إلى صنعاء معتقداً بأن الرياض لن تنفذ تهديداتها فحشد قواته تحت غطاء الحليف الحوثي لاقتحام عدن وفرض الأمر الواقع على اليمنيين لكن الرد كان حاسماً وموجعاً للدرجة التي دفعت علي صالح إلى الظهور على الساحة مجدداً من خلال مراوغة سياسية يتعهد فيها بعدم الترشح للرئاسة لا هو ولا أي أحد من أقربائه مقابل وقف عاصفة الحزم.
وعود من هذا النوع لم تعد تنطلي على اليمنيين ولا على أشقائهم في دول الخليج الذين أيقنوا أنه مع استمرار العاصفة في تحقيق أهدافها خسر عفاش كل الحصانات السابقة ليصبح ملاحقا طريدا من شعبه وخصومه معاً في ظل امتناع العالم عن نجدته في معركته الخاسرة.. حتى حليفته طهران.
/الرياض/