سلمان الدوسري
خليط من الجنسيات والطوائف والأعراق عملت في السعودية ودول الخليج منذ مطلع القرن الماضي، وكما كان للملايين منهم دورهم في المساهمة في تنمية الدول الخليجية، كذلك فعلت العمالة اليمنية التي يسجل لها أنها من أوائل من عمل في السعودية. اليمنيون في الخليج فيهم من استوطن واستحق الجنسية وأصبح مواطنًا له حقوق المواطنة كما عليه واجباتها، فيهم من عمل سنوات قبل أن يعود إلى بلاده، وفيهم من لا يزال يعمل في الدول الجارة لبلادهم. يمكن القول إن العمالة اليمنية من أفضل من عمل وتعايش مع مواطني دول الخليج، وذلك ليس انتقاصًا من الجنسيات الأخرى، وإنما باعتبار اليمن دولة جوار ومن ضمن دول الجزيرة العربية، ناهيك بتقارب العادات والتقاليد مع دول الخليج.
لولا المكانة التي يحظى بها اليمن، دولة وشعبًا، لما هبّت دول مجلس التعاون إلى نجدته وإنقاذه من انقلاب ميليشيا الحوثي. لولا أهمية اليمن لدول المنطقة، سياسيًّا واجتماعيًّا، لما خاطرت هذه الدول بالوقوف مع دولة شقيقة لهم. وبغض النظر عن المعارك الدائرة حاليًّا بين قوات التحالف من جهة والحوثيين وصالح من جهة أخرى، فإن مئات الألوف من اليمنيين العاملين في دول الخليج سيستمر الترحيب بهم كما كان سابقًا، فـ«عاصفة الحزم» ليست موجهة ضدهم، ولا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولم يعرف عن الشارع الخليجي أنه عاقب شعبًا بسبب تصرفات نظامه، أو تعاملوا معه بعدوانية أو خصومة كما تفعل بعض الدول العربية مع المواطنين الخليجيين، مع التأكيد أن ميليشيا الحوثيين أصلاً لا يمثلون اليمنيين وليسوا نظامًا حاكمًا لهم.
يقدّر عدد اليمنيين في السعودية وحدها بنحو 890 ألف يمني، وتعتمد عائلاتهم على تحويلات أبنائهم المغتربين، وحسب الأرقام الرسمية فإن العمالة اليمنية في السعودية في المرتبة الرابعة من حيث العدد بعد الهندية والمصرية والباكستانية، وهو ما يعني أن مئات الآلاف من اليمنيين يعتمدون بشكل كبير على هذه التحويلات، وهو ما لا يمكن المساس به في ظل هذه الأوضاع المتأزمة في بلادهم. أما من الناحية الاجتماعية فتاريخ الخليجيين يشهد على عمق علاقتهم مع العمالة اليمنية والتي نادرًا ما تشهد تأزمًا، ولم يصدر عن العمالة اليمنية، على الرغم من تصدرها لأعداد العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون، أي سلوكيات أو تصرفات جماعية تضع حواجز بينهم وبين الحكومات الخليجية أو شعوبها.
حسنًا فعلت الحكومة السعودية، بحسب تصريحات المتحدث الرسمي لوزارة العمل، عندما طمأنت اليمنيين المقيمين بشكل نظامي بأن «عاصفة الحزم» لن تؤثر على أوضاعهم إطلاقا، في حين أن اليمنيين أنفسهم يعرفون جيدًا العلاقة التي تربطهم بالبلاد التي يعملون بها، والتي لن تتغير أو تتأثر بما يحدث حاليًّا من معارك تستهدف أساسًا إعادة الاستقرار لبلادهم، بالإضافة إلى أن العلاقة التي تربط بين اليمنيين ومواطني دول الخليج أكبر من محاولات التشكيك فيها وافتعال الأزمات، وهو عكس ما قام بها الحوثيون، كما في تصريحات للناطق باسمهم محمد عبد السلام، قبيل «عاصفة الحزم»، استعدى فيها دول الخليج العربية ضد العمالة اليمنية، وكأنه يريد دق إسفين بينهم وبين حكومات الخليج.
عمل اليمنيين في دول الخليج عقودًا طوالاً ولا أحد يعرف ما إذا كان مذهبهم زيديًّا أم شافعيًّا، يكفي أنهم أشقاء من الجزيرة العربية، وستظل العلاقة التي تربطهم بأهل الخليج علاقة احترام وتقدير متبادل لا تتأثر بأحداث سياسية أو توترات إقليمية، حتى لو حاولت بعض الجهات هنا وهناك الضرب في علاقتهم المتجذرة مع أهلهم في الخليج.
*الشرق الأوسط.