حسن خضر
تنطوي الضربات الجوية، التي استهدفت، وما تزال، الحوثيين، على رسائل سياسية، نقرأ في أبرز عناوينها:
أن استيلاء الحوثيين عل اليمن غير مقبول من جانب قوى فاعلة في الإقليم والعالم. وإذا كان في ردود الفعل لإقليمية والدولية، التي أعقبت تلك الضربات، ما يصلح للتدليل على أمر ما، فلنقل إن غالبية دول العالم والإقليم تؤيد وتتفهم الدوافع السياسية، والدلالات الاستراتيجية، لإحباط مسعى الحوثيين، بالقوة، بعدما تجاوزا حدود اللعبة، وانتهكوا القواعد المُتفق عليها للحل بالتراضي.
والمهم، في هذا الشأن، أن المسعى الحوثي ناهيك عن كونه لا يمثل ترجمة واقعية لوقائع ديمغرافية، وسياسية، في البنية السياسية والاجتماعية لليمن، يندرج في إطار مشروع أكبر لقوّة خارجية هي إيران، تسللت إلى الصراع الداخلي المحلي، وتسعى من خلال الحوثيين لتحقيق مكاسب استراتيجية تخدم طموحاً إمبراطورياً يتجاوز الحالة اليمنية نفسها. وبالنظر إلى شواهد تخص تمدد النفوذ الإيراني في سورية والعراق ولبنان، لم يعد من المنطقي تجاهل طموح كهذا، وغض النظر عن تداعياته ومخاطره السياسية والعسكرية بعيدة المدى في الإقليم والعالم.
وحتى إذا تجاوزنا، لأسباب جدالية محضة، الصلة بين المسعى الحوثي، والطموح الإمبراطوري الإيراني، فإن محاولة الاستيلاء على البلاد من جانب قوة قبلية وطائفية تمثل أقل من ثلث عدد السكّان، تعني انهيار الدولة، وتقسيم وتقاسم اليمن من جانب أمراء الحرب على أسس طائفية وقبلية، وتوفير الظروف الموضوعية لحرب أهلية طويلة المدى، وتمكين الجماعات الإرهابية، العابرة للحدود والقوميات، من تحويل البلاد إلى قاعدة للتدريب والتسليح وشن هجمات في الإقليم والعالم. والواقع أن البنية التحتية المادية والأيديولوجية لتلك الجماعات متوفرة إلى حد كبير في اليمن.
وإذا وضعنا في الاعتبار حقيقة أن اليمن من أفقر الدول العربية، وأكثرها حاجة إلى المساعدات، والمشاريع التنموية، التي لا يمكن توفيرها دون تحقيق الاستقرار والسلم الأهلي، ووجود دولة مركزية، فإن في مسعى الحوثيين للاستيلاء على البلاد، بالقوة، وعلى حساب بقية المكوّنات الاجتماعية والسياسية، ما يرشح اليمن للعيش في كابوس طويل الأمد.
يمكن أن نقرأ، في كل ما تقدّم، استخلاصاً لدروس أفرزتها تجارب مريرة في العراق، وسوريا، وليبيا، ولبنان، إضافة إلى خصوصيات الحالة اليمنية نفسها. بيد أن الرسالة الجديدة، والأهم، التي انطوت عليها الضربات الجوية، تتمثل في حقيقة أن الطموح الإمبراطوري الإيراني، يمكن أن يُجابه بالقوة، والحرب، إذا استدعى الأمر. وهذا لم يعد مجرد احتمال في ذيل قائمة الخيارات العربية، بل أصبح ضمن بنودها الأولى.
ولم يكن لأمر كهذا أن يتأتى دون اتضاح حقيقة أن الأمن القومي العربي أصبح مكشوفاً إلى حد ينذر بالخطر، خاصة في السنوات الأخيرة، التي شهدت سقوط أنظمة، واندلاع حروب أهلية مكشوفة ومستترة، وانتشار ظاهرة الميليشيات الإرهابية الجوّالة، واحتدام حدة الصراعات الطائفية، والتنافس على دور القوّة الإقليمية من جانب قوى غير عربية في الإقليم.
ولم يكن لأمر كهذا أن يتأتى، أيضاً، دون اتضاح حقيقة أن السياسة التي اعتمدها الأميركيون في المنطقة منذ إعلان الحرب على الإرهاب، في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم تُسهم في حل، أو التخفيف من، حدة الصراعات بل أسهمت في تفاقمها، وفي إشعال فتيل صراعات جديدة، وقد ترافق هذا مع تراجع للدور الأميركي، في ظل إعادة ترتيب الأميركيين لأولوياتهم ومصالحهم الاستراتيجية في مناطق مختلفة من العالم.
لذلك، يمكن للتدخل، بالقوة، في اليمن أن يكون فاتحة لمرحلة جديدة، يُعاد فيها بناء التوازنات الإقليمية والدولية في المنطقة بطريقة تضمن سلام وسلامة العالم العربي، في مجابهة الإرهاب، والطموحات والمشاريع الإمبراطورية لناجمة عن فراغ القوّة. وبما أن الانتقال من مرحلة إلى أخرى لا يحدث ولا يتجلى بين ليلة وضحاها، بل يتبلور في تحالفات وتصوّرات ومصالح وأدوات مشتركة، يتم اختبارها والتحقق من صلابتها ونتائجها في الميدان، فلنقل إن حظوظ مرحلة كهذه تبدو، اليوم، أفضل مما كانت عليه في سنوات مضت، ولا تقتصر تداعياتها على الحالة اليمنية، التي تبدو الآن نقلة أولى في احتمال مشهد جديد.