وئام عبدالملك
إن التدخل الخارجي اليوم في الشأن اليمني، يعني بأن سكوت جيران اليمن قد ولى زمنه، ليس لأنهم أدركوا خطر التمدد الإيراني في المنطقة الآن، بل لأنهم يدركونه منذ زمن بعيد، فأكثر ما يفلح ببنائه القادة العرب هو الجهاز الاستخباراتي العظيم، لكن تحركهم في هذا التوقيت ليس بريئا، واستنجاد الرئيس هادي بهم في هذا التوقيت أيضا ليس بريئا، وقد تكون بالفعل تلك الدول جادة في تأمين بلدانها من التمدد الإيراني، وتقليم أظافر إيران في المنطقة، فوحدت جهودها العسكرية وتدخلت في اليمن، وفاجأت اليمنين بعملياتها العسكرية اليوم، وقوبلت تلك العمليات بإدانة أطراف كثيرة في اليمن، وفي نفس الوقت حظيت بتأييد قوى أخرى، وجاءت مشاركة الأردن والمغرب- على وجه الخصوص- في تلك العمليات؛ لتحسين العلاقات التي تسعى تلك الدولتين لتعزيزها مع دول مجلس التعاون الخليجي لا أكثر، وجاء التدخل التأييد الأمريكي لتلك العمليات خجولا، للحفاظ على مساحة المصالح المشتركة بينها وإيران، ونعلم جيدا بأن تدخل المملكة العربية السعودية في هذا التوقيت ليس بريئا، ومن مصلحتها أن تظل اليمن تحت جناحها، وفي الوقت الذي كانت تقف إلى جانب اليمن واليمنيين، كانت قد أذعنت في إذلال الشعب اليمني.
وانقسم الشارع اليمني ما بين مؤيد ومعارض للعملية العسكرية( عاصفة الحزم)، وكلا الطرفين جاء تأييدهم ورفضهم لدوافع مسبقة، ولكن ليس استشعارا منهم للخطر الذي يحدق بالوطن، وقلة من هم على وعي تام بأبعاد ما يحدث في اليمن، والقى المتعصبون بالوطن خلف ظهورهم ليروا إن كان الصراع سني شيعي، أو مؤتمري حوثي إخواني أو أو أو...، ورأى البعض بأن دعوة الرئيس هادي للتدخل العسكري الخارجي في اليمن منعا لتقدم الحوثيين، ودعما للشرعية والحفاظ على اليمن هو الصواب، لأن هادي لو لم يفعل ذلك فإن الحوثيون سيواصلون تمددهم داخل الأراضي اليمنية، وسيكون هناك مقاومة من قبل بعض الجبهات داخل اليمن، بينما اعتبره آخرون انتهاكا لسيادة اليمن، وفي الواقع فإن الصراع أصبح هو في أن يكون لنا وطن أو لا يكون، في أن نكون نازحين غير آمنين في وطننا أو آمنين، لو لم نكن بهذه السذاجة لما احتجنا إلى تدخل أحد، ولكنا قادرين إن أردنا على دحر كل الفاسدين، من يفكرون بمصلحتهم على حساب أغلبية الشعب اليمني، نحن لسنا في ساحة لعب، وأنتم تلقون بأنفسكم وأبنائكم إلى التهلكة بهذه العقليات المتعصبة، في مثل هذا الظرف أصبح واجبا علينا أن نتخلص من كل الأطراف التخريبية التي نعلمها جيدا، ونفرض إرادتنا، فنحن فقط من نملك مستقبل الوطن.
وبالنظر إلى إيجابيات هذه العملية العسكرية فإنها تتمثل في إضعاف التمرد الحوثي وحليفه صالح، ومنع توسعهم أكثر وأكثر، ودعم الشرعية، لأن الرضا بأن تحكم البلد مجموعات مسلحة غير مقبول، ويفتح باب واسع لكل الجماعات التخريبية، بالمقابل فإن السلبيات التي قد تترتب على تلك العمليات فهي تتمثل في: انتهاك سيادة اليمن للمرة الألف، وتحويل اليمن إلى ساحة صراع إقليمي، والاقتتال الطائفي الذي سيستمر لسنوات طويلة وتدمير القوة العسكرية تماما في اليمن، وبالتالي فإن اليمن ستكون بحاجة إلى سنوات طويلة لتتمكن من إعادة بناء قواتها، بعد أن استنزفت مؤخرا وتعرضت للنهب من قبل أطراف كثيرة في الداخل اليمني، ومن الممكن غض الطرف عن تلك العمليات التي تقودها السعودية إن اقتصرت على الضربات الجوية فقط والسماح بخلق توازنات جديدة على الأرض، تتيح مرة أخرى فتح ملف الحوار مجددا في اليمن، إلا أن مشاركة المملكة ب 150 ألف جندي و100 طائرة حربية، يجعلنا لا نطمئن كثيرا لما قد ينتج عن تلك العمليات، وبنواياهم، فالعمليات العسكرية تلك ستنتهي بعد أن تحقق كل أهدافها، وما هي تلك الأهداف وكم هي المدة الزمنية لتنفيذها غير معلوم، والنموذج الليبي والسوري والعراقي ما زال حاضرا في الأذهان، ونحن نرى ونسمع كل يوم ما آلت إليه تلك البلدان، بعد أن مرت ببعض المراحل التي تمر بها اليمن الآن، والتدخل الخارجي الذي أشبعها دمارا وإرهابا حتى اللحظة.
إيران في المقابل كما قال العديد من المحللين لن تكون قادرة على خوض حرب في اليمن، لأن ذلك سيورط العديد من بلدان المنطقة بحروب طاحنة، وهي غير قادرة على خوض حروب الآن بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها، وبالتالي فهي لن تتردد بالزج بالحوثيين أكثر وأكثر إلى واجهة المعركة، والاستمرار في دعمهم لكسب أكبر وقت ممكن، لإثارة القلاقل في المنطقة، وهذا سيفتح المجال لتحويل الصراع إلى طائفي، سيشارك فيه العديد من المقاتلين من مختلف الدول العربية كما هو حاصل في العراق أو سوريا.
ويتوقع البعض أن يقوم الحوثيون وحليفهم صالح بأعمال انتقامية نحن ضحيتها، ومحاولة إشعال الحرب في كل البلاد، والقيام بأعمال عسكرية ضد المملكة العربية السعودية، لإثبات وجودهم، وتسارع الكثير من القوى داخليا في الاستفادة من هذا التدخل، سواء من قبل الحوثيين وحلفائه الذين يروجوا بأن أمريكا وإسرائيل تشارك في العدوان على اليمن، وتستهدف المدنيين، لحشد المزيد من الأتباع الذين يقاتلون بدافع عقائدي، أو من قبل بعض قيادات الإخوان التي بادرت إلى مباركة هذه العمليات، وفي الساعات القادمة سيكون هناك أطراف قيادات حزبية مهترئة، ستسارع لتكسب من وراء تدمير الوطن.
حقيقة لا أحد حريص على مصلحة اليمن، لتؤيدوا هذه الدولة أو تلك، ولتفرحوا بما يحدث، وبكم الخراب الذي ألحقه بالبلد الحوثيون وحلفائهم أو عاصفة الزحف، أنتم وحدكم الضحايا، وسيبقى الوطن مسكون بالخراب والدمار والاقتتال لسنوات طويلة، مالم نفكر بالوطن لا غير، والأحداث الأخيرة التي عاشتها وما تزال اليمن، علمتنا كم نحن متوحشون، وبأنا شعوب متعطشة للدم دوما، وبأنا شعوب لا تجد الإنسانية في حياتهم مكانا، وتسكن أرواحنا الهمجية والعبث، نحن العرب أمة أشتاتا وطائفيين، نعمل ضد بعضنا ما حيينا.